وائتوني بعسل ؛ فإن الله تعالى يقول : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وائتوني بزيت ؛ فإن الله تعالى يقول : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) [النور : ٣٥] فجاءوه بذلك كلّه فخلطه جميعا ، ثم شربه ، فبرأ انتهى.
وقوله سبحانه : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ، وأرذل العمر الذي تفسد فيه الحواسّ ، ويختلّ العقل ، وخص ذلك بالرذيلة ، وإن كانت حالة الطّفولة كذلك من حيث كانت هذه لا رجاء معها ، وقال بعض الناس : أول أرذل العمر خمس وسبعون سنة ، روي ذلك عن علي (١) رضي الله عنه.
قال* ع (٢) * : وهذا في الأغلب ، وهذا لا ينحصر إلى مدّة معيّنة ، وإنما هو بحسب إنسان إنسان ، وربّ من يكون ابن خمسين سنة ، وهو في أرذل عمره ، وربّ ابن تسعين ليس في أرذل عمره ، واللام في (لِكَيْ) يشبه أن تكون لام الصيرورة ، والمعنى : ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى ألّا يعلم شيئا ، وهذه عبارة عن قلّة علمه ، لا أنه لا يعلم شيئا البتّة.
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٧٤)
وقوله سبحانه : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) إخبار يراد به العبرة وإنما هي قاعدة بني المثل عليها ، والمثل هو أن المفضّلين لا يصحّ منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا ؛ حتى تستوي أحوالهم ، فإذا كان هذا في البشر ، فكيف تنسبون أيها الكفرة إلى الله ؛ أنّه يسمح بأن يشرك في الألوهيّة الأوثان والأصنام وغيرها ممّا عبد من دونه ، وهم خلقه وملكه ، هذا تأويل الطبريّ ، وحكاه عن ابن عباس (٣) قال المفسّرون : هذه الآية كقوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٦١٥) برقم : (٢١٧٥٦) ، وذكره البغوي (٣ / ٧٦) ، وابن عطية (٣ / ٤٠٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٢) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٠٧)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٦١٥ ـ ٦١٦) برقم : (٢١٧٥٧) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٥٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣) ، وعزاه لابن أبي حاتم.