إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(٧٠)
وقوله سبحانه : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً ...) الآية : «السّكر» : ما يسكر ؛ هذا هو المشهور في اللغة ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر (١) ، وأراد ب «السّكر» : الخمر ، وب «الرّزق الحسن» جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين ، فالحسن ؛ هنا : الحلال ، وقال بهذا القول ابن جبير وجماعة (٢) وصحّح ابن العربيّ (٣) هذا القول ، ولفظه : والصحيح أنّ ذلك كان قبل تحريم الخمر ، فإن هذه الآية مكّيّة باتفاق العلماء ، وتحريم الخمر مدنيّ انتهى من «أحكام القرآن» ، وقال مجاهد وغيره : السكر المائع من هاتين الشجرتين ، كالخلّ ، والرّبّ ، والنّبيذ ، والرزق الحسن : العنب والتمر (٤).
قال الطبريّ (٥) : والسّكر أيضا في كلام العرب ما يطعم ، ورجّح الطبريّ هذا القول ، ولا مدخل للخمر فيه ، ولا نسخ في الآية.
وقوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ...) الآية : الوحي ؛ في كلام العرب : إلقاء المعنى من الموحي إلى الموحى إليه في خفاء ، فمنه الوحي إلى الأنبياء برسالة الملك ، ومنه وحي الرؤيا ، ومنه وحي الإلهام ، وهو الذي في آيتنا ؛ باتفاق من المتأوّلين ، والوحي أيضا بمعنى الأمر ؛ كما قال تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] ، وقد جعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع : إمّا في الجبال وكواها ، وإما في متجوّف الأشجار ، وإما فيما يعرش ابن آدم من الأجباح والحيطان ، ونحوها ، وعرش : معناه : هيّأ ، والسبل الطرق ، وهي مسالكها في الطيران وغيره ، و (ذُلُلاً) : يحتمل أن يكون حالا من «النحل» ، أي : مطيعة منقادة ، قاله قتادة (٦). قال ابن زيد : فهم يخرجون بالنحل
__________________
(١) ذكره البغوي (٣ / ٧٥) ، وابن عطية (٢ / ٤٠٥) ، وابن كثير (٢ / ٥٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٨) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وأبي داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، وابن مردويه ، والحاكم صححه.
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٦٠٩) برقم : (٢١٧٠٧) ، (٢١٧٠٨) ، (٢١٧٠٩) ، وذكره البغوي (٣ / ٧٥) ، وابن عطية (٣ / ٤١٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٩) ، وعزاه للنسائي.
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١١٥٣)
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٦١١) برقم : (٢١٧٣٧) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٧٥) ، وابن عطية (٣ / ٤٠٥) ، وابن كثير (٢ / ٥٧٧)
(٥) ينظر : «تفسير الطبري» (٧ / ٦١١)
(٦) أخرجه الطبري (٧ / ٦١٣) برقم : (٢١٧٤٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٠٦) ، وابن كثير (٢ / ٥٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن المنذر.