قال مجاهد : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه (١) ، وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ ، والنصب : التعب ، و (نَبِّئْ) : معناه : أعلم.
قال الغزّاليّ رحمهالله في «منهاجه» : «ومن الآيات اللطيفة الجامعة بين الرجاء والخوف قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، ثم قال في عقبه : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) ؛ لئلّا يستولي عليك الرجاء بمرّة ، وقوله تعالى : (شَدِيدِ الْعِقابِ) [غافر : ٣] ، ثم قال في عقبه : (ذِي الطَّوْلِ) [غافر : ٣] ، لئلّا يستولي عليك الخوف ، وأعجب من ذلك قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٣٠] ، ثم قال في عقبه : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران : ٣٠] ، وأعجب منه قوله تعالى : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [ق : ٣٣] ، فعلّق الخشية باسم الرحمن ، دون اسم الجبّار أو المنتقم أو المتكبّر ونحوه ، ليكون تخويفا في تأمين ، وتحريكا في تسكين كما تقول : «أما تخشى الوالدة الرحيمة ، أما تخشى الوالد الشّفيق» ، والمراد من ذلك أن يكون الطّريق عدلا ، فلا تذهب إلى أمن وقنوط جعلنا الله وإيّاكم من المتدبّرين لهذا الذكر الحكيم ، العاملين بما فيه ، إنه الجواد الكريم انتهى.
(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)(٥٦)
وقوله سبحانه : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ...) الآية : هذا ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول ، و «الضيف» : مصدر وصف به ، فهو للواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنّث ؛ بلفظ واحد ، وقوله : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) ، أي : فزعون ، وإنما وجل منهم ؛ لما قدّم إليهم العجل الحنيذ ، فلم يرهم يأكلون ، وكانت عندهم العلامة المؤمّنة أكل الطعام ؛ وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل ، والمنزول به.
وقوله : (أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) ، أي : في حالة قد مسّني فيها الكبر ، وقول إبراهيم عليهالسلام : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) : / تقرير على جهة التعجّب والاستبعاد ، لكبرهما ، أو على جهة الاحتقار وقلّة المبالاة بالمسرّات الدنيويّة ، لمضيّ العمر ، واستيلاء الكبر ، وقولهم :
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٢١) برقم : (٢١٢١١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٦٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٨٩) ، وعزاه لهناد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.