و (نَسْلُكُهُ) : معناه ، ندخله ، و (الْمُجْرِمِينَ) ؛ هنا : يراد بهم كفّار قريش ، ومعاصرو النبيّصلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) عموم ، معناه الخصوص فيمن حتم عليه ، وقوله : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) : أي : على هذه الوتيرة ، (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) ، أي : على قريش وكفرة العصر ، والضمير في قوله : (فَظَلُّوا) عائد عليهم ، وهو تأويل الحسن ، و (يَعْرُجُونَ) : معناه يصعدون ، ويحتمل أن يعود على الملائكة ، أي : ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرّفون في باب مفتوح في السماء لما آمنوا ، وهذا تأويل ابن عبّاس (١) ، وقرأ السبعة سوى ابن كثير : «سكّرت» ـ بضم السّين وشدّ الكاف ـ ، وقرأ ابن كثير (٢) بتخفيف الكاف ، تقول العرب : سكرت الرّيح تسكر سكورا ، إذا ركدت ، ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولا ، وسكر الرجل من الشّراب ، إذا تغيّرت حاله وركد ، ولم ينفذ لما كان بسبيله أن ينفذ فيه ، وتقول العرب : سكرت البثق (٣) في مجاري الماء سكرا ؛ إذا طمسته وصرفت الماء عنه ، فلم ينفذ لوجهه.
قال* ع (٤) * : فهذه اللفظة «سكّرت» ـ بشدّ الكاف ـ إن كانت من سكر الشراب ، أو من سكور الريح ، فهي فعل عدّي بالتضعيف ، وإن كانت من سكر مجاري الماء ، فتضعيفها للمبالغة ، لا للتعدّي ، لأن المخفّف من فعله متعدّ ، ومعنى هذه المقالة منهم : أي : غيّرت أبصارنا عما كانت عليه ، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الأشياء : كما كانت تفعل.
(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(٢١)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٤٩٦) برقم : (٢١٠٤٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٥٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٧٦) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : «السبعة» (٣٦٦) ، و «الحجة» (٥ / ٤٣) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٣٤٣) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٦٨) ، و «العنوان» (١١٦) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٤٠٦) ، و «شرح شعلة» (٤٥٣) ، و «حجة القراءات» (٣٨١ ـ ٣٨٢) ، و «إتحاف» (٢ / ١٧٤)
(٣) البثق : موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه.
ينظر : «لسان العرب» (٢٠٨) ، و «المعجم الوسيط» (٣٨)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٥٣)