الذي بكى وأجهش (١) إليه : «إنّ هذا الجمل شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه» (٢) ، أي : تديمه في الخدمة والعمل ، وظاهر الآية أنّ معناه : دائبين في الطلوع والغروب وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثرة ، وعن ابن عباس أنّه قال : معناه : دائبين في طاعة الله (٣) ، وقوله سبحانه : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) المعنى : أنّ جنس الإنسان بجملته قد أوتي من كلّ ما شأنه أن يسأل وينتفع به ، وقرأ ابن عباس (٤) وغيره : «من كلّ ما سألتموه» ـ بتنوين كلّ ـ ، ورويت عن نافع ، وقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) ، أي : لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى ، والإيجاد بعد العدم والهداية للإيمان وغير ذلك ، وقال طلق بن حبيب : إنّ حقّ الله تعالى : أثقل من أن يقوم به العبّاد ، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أصبحوا توّابين ، وأمسوا توّابين.
* ت (٥) * : ومن «الكلم الفارقيّة» : أيها الحريص على نيل عاجل حظّه ومراده ؛ الغافل عن الاستعداد لمعاده تنبّه لعظمة من وجودك بإيجاده ؛ وبقاؤك بإرفاده ؛ ودوامك بإمداده ، وأنت طفل في حجر لطفه ؛ ومهد عطفه ؛ وحضانة حفظه ، يغذّك بلبان برّه ؛ ويقلّبك بأيدي أياديه وفضله ؛ وأنت غافل عن تعظيم أمره ؛ جاهل بما أولاك من لطيف سرّه ؛ وفضّلك به على كثير من خلقه ، واذكر عهد الإيجاد ، ودوام الإمداد والإرفاد ؛ وحالتي الإصدار والإيراد ؛ وفاتحة المبدإ وخاتمة المعاد. انتهى.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الْإِنْسانَ) : يريد به النوع والجنس ، المعنى : توجد فيه هذه
__________________
(١) الجهش والإجهاش : أن يفزع الإنسان إلى غيره ، وهو مع ذلك كأنه يريد البكاء ، كالصبي يفزع إلى أمه وأبيه وقد تهيأ للبكاء.
ينظر : «النهاية» (١ / ٣٢٢) و «لسان العرب» (٧١٣)
(٢) ذكره السيوطي في «الخصائص الكبرى» (٢ / ٩٥) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، وأبي نعيم ، والبيهقي كلاهما في «الدلائل».
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٤٥٨) برقم : (٢٠٨٢٦) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٦) ، وابن عطية (٣ / ٣٣٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لابن جرير.
(٤) وقرأ بها الحسن ، وجعفر بن محمد ، وسلام بن منذر ، والضحاك ، ومحمد بن علي ، وعمرو بن فائد ، ويعقوب ، قال أبو الفتح : أما على هذه القراءة فالمفعول ملفوظ به ، أي : وآتاكم ما سألتموه أن يؤتيكم منه ، وأما قراءة الجماعة ... على الإضافة ، فالمفعول محذوف : أي : وآتاكم سؤلكم من كل شيء.
ينظر : «المحتسب» (١ / ٣٦٣) ، و «الشواذ» ص : (٧٣) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٤٠) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤١٦) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢٧٢)
(٥) أخرجه الطبري (٧ / ٤٥٩) برقم : (٢٠٨٣٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٤٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٤٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٥٨) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والبيهقي في «الشعب».