هذه الآية : هو محمّد صلىاللهعليهوسلم ودينه ، (وَأَحَلُّوا / قَوْمَهُمْ) ، أي : من أطاعهم ، وكأنّ الإشارة والتعنيف إنما هو للرؤوس والأعلام ، و (الْبَوارِ) : الهلاك ، قال عطاء بن يسار : نزلت هذه الآية في قتلى (١) بدر ، و «الأنداد» : جمع ندّ ، وهو المثيل ، والمراد : الأصنام ، واللام في قوله : (لِيُضِلُّوا) ـ بضم الياء ـ : لام كي ، وبفتحها : لام عاقبة وصيرورة ، والقراءتان (٢) سبعيّتان.
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٣٤)
وقوله سبحانه : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ...) الآية : «العباد» : جمع عبد ، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد ، و «السر» : صدقة التنفّل ، و «العلانية» : المفروضة ؛ هذا هو مقتضى الأحاديث ، وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملا ، وكذلك فسّر الصلاة ؛ بأنها الخمس وهذا عندي منه تقريب للمخاطب (٣). و «الخلال» : مصدر من «خالل» ، إذا وادّ وصافى ؛ ومنه الخلّة والخليل ، والمراد بهذا اليوم يوم القيامة.
وقوله سبحانه : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) : هذه الآية تذكير بآلائه سبحانه ، وتنبيه على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر ؛ لتقوم الحجّة عليهم ، وقوله : (بِأَمْرِهِ) : مصدر أمر يأمر ، وهذا راجع إلى الكلام القديم القائم بالذات ، و (دائِبَيْنِ) : معناه : متماديين ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم لصاحب الجمل
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٤٥٥) برقم : (٢٠٨١٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٣٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٥٧) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) وتفصيل هذه القراءة على ما يلي : قرأ أبو كثير وأبو عمرو : «ليضلوا» بفتح الياء ، أي : ليصيروا هم ضلّالا.
وحجتهما : قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) [النحل : ٣٠].
وقرأ الباقون : «ليضلوا» بضم الياء ، أي : ليضلوا غيرهم ، وحجتهم : أن الله سبحانه وصفهم قبل بأنهم ضالون في أنفسهم ، فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ، فكان الحال يقتضي زيادة معنى ، وهو : أنهم لم يتوقفوا عن ضلالهم هم ، بل عدوه إلى غيرهم.
ينظر : «شرح الطيبة» (٤ / ٣٩٦) ، و «العنوان» (١١٥) ، و «حجة القراءات» (٣٧٨) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ١٦٩)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٤٥٧) برقم : (٢٠٨٢٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٣٩)