كأنه قال : إنما أنت منذر وهاد لكلّ قوم ، و «هاد» ؛ على هذا التأويل : بمعنى داع إلى طريق الهدى ، وقال مجاهد وابن زيد : المعنى : إنما أنت منذر ، ولكلّ أمّة سلفت هاد ، أي : نبيّ يدعوهم (١) ، أي : فليس أمرك يا محمّد ببدع ، ولا منكر ، وهذا يشبه غرض الآية ، وقالت فرقة : «الهادي» في هذه الآية : الله عزوجل ، والألفاظ تقلق بهذا المعنى ، ويعرف أنّ الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع ، والقولان الأولان أرجح ما تؤوّل في الآية.
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١١)
وقوله سبحانه : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) : هذه الآيات أمثال منبّهات على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث ، (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) : معناه : ما تنقص ، ثم اختلف المتأوّلون في صورة الزّيادة والنّقصان ، وجمهور المتأوّلين على أنّ غيض الرحم هو نقص الدم على الحمل ، وقال الضّحّاك : غيض الرّحم : أن تسقط المرأة الولد ، والزيادة أن تضعه لمدّة كاملة ، ونحوه لقتادة (٢).
وقوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) : عامّ في كل ما يدخله التقدير ، و (الْغَيْبِ) : ما غاب عن الإدراكات ، و (الشَّهادَةِ) : ما شوهد من الأمور.
وقوله : (الْكَبِيرُ) : صفة تعظيم ، و (الْمُتَعالِ) : من العلو.
وقوله سبحانه : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ...) الآية : أي : لا يخفى على الله شيء ، وال (سارِبٌ) ؛ في اللغة : المتصرّف كيف شاء.
وقوله سبحانه : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) : المعنى : جعل الله للعبد معقّبات يحفظونه في كلّ حال من كلّ ما جرى القدر باندفاعه ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٣٤٣) برقم : (٢٠١٤٩ ، ٢٠١٥٤) وبرقم : (٢٠١٥٦) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٩٧) ، وابن كثير (٢ / ٥٠١)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٣٤٧) برقم : (٢٠١٩٤) وبرقم : (٢٠١٨٨) بلفظ مختلف فقال : (ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) ما تنقص من التسعة (وما تزداد) أي : ما فوق التسعة ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٩٨) ، وابن كثير (٢ / ٥٠٢) ، والسيوطي (٤ / ٨٧ ـ ٨٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.