ضمن ذلك الطعن على مكذّبيه ، والضمير في (لَدَيْهِمْ) : عائد على إخوة يوسف ، و (أَجْمَعُوا) : معناه : عزموا ، و «الأمر» ، هنا : هو إلقاء يوسف في الجبّ ، وحكى الطبري (١) عن أبي عمران الجونيّ ؛ أنه قال : والله ما قصّ الله نبأهم ؛ ليعيّرهم ؛ إنهم الأنبياء من أهل الجنّة ، ولكنّ الله قصّ علينا نبأهم ؛ لئلّا يقنط عبده.
وقوله سبحانه : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ...) الآية خطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ...) الآية توبيخ للكفرة ، وإقامة للحجّة عليهم ، ثم ابتدأ الإخبار عن كتابه العزيز ؛ أنه ذكر وموعظة لجميع العالم ، نفعنا الله به ، ووفّر حظنا منه.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(١٠٧)
وقوله سبحانه : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : يعني ب (الْآيَةَ) ؛ هنا : المخلوقات المنصوبة للاعتبار الدالّة على توحيد خالقها سبحانه ، وفي مصحف عبد الله (٢) : «يمشون / عليها».
وقوله سبحانه : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) : قال ابن عبّاس : هي في أهل الكتاب (٣) ، وقال مجاهد وغيره : هي في العرب (٤) ، وقيل : نزلت بسبب قول قريش في الطّواف ، والتلبية : «لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك» ، وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا سمع أحدهم يقول : لبّيك لا شريك لك ، يقول له : قط قط ، أي : قف هنا ، ولا تزد : إلا شريكا هو لك ، والغاشية : ما يغشى ويغطّي ويغمّ ، و (بَغْتَةً) : أي : فجأة ، وهذه الآية من قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) ، وإن كانت في الكفّار ، فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظّ ويكون الإيمان حقيقة ، والشّرك لغويّا ، كالرياء ، فقد قال
__________________
(١) ينظر : «الطبري» (٧ / ٣١٠ ـ ٣١١)
(٢) ينظر : «المحتسب» (١ / ٣٥٠) ، و «الكشاف» (٢ / ٥٠٨) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٨٥) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٣٤٥)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٣١٣) برقم : (١٩٩٧٠) بلفظ : يعني النصارى ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٨٥)
(٤) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٨٥)