اتصف بها نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، إذ كان خلقه القرآن ، كما روته عائشة في الصحيح ، وكما ذكر الله سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] انتهى.
وقوله : (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) ، فيه وعيد ، وقوله : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) : المعنى : فجمع الملك النّسوة ، وامرأة العزيز معهنّ ، وقال لهنّ : (ما خَطْبُكُنَّ ...) الآية : أي : أيّ شيء كانت قصّتكن ، فجاوب النساء بجواب جيد ، تظهر منه براءة أنفسهنّ ، وأعطين يوسف بعض براءة ، فقلن : (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) ، فلما سمعت امرأة العزيز مقالتهنّ وحيدتهنّ ، حضرتها نيّة وتحقيق ، فقالت : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) ، أي : تبيّن الحقّ بعد خفائه ؛ قاله الخليل وغيره ، قال البخاريّ : حاش وحاشى : تنزيه واستثناء ، وحصحص : وضح. انتهى.
ثم أقرّت على نفسها بالمراودة ، والتزمت الذنب ، وأبرأت يوسف البراءة التامّة.
وقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) إلى قوله : (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) : اختلف فيه أهل التأويل ، هل هو من قول يوسف أو من قول امرأة العزيز.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(٥٧)
وقوله سبحانه : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) : المعنى : أن الملك ، لمّا تبيّنت له براءة يوسف وتحقّق في القصّة أمانته ، وفهم أيضا صبره وعلوّ همته ، عظمت عنده منزلته ، وتيقّن حسن خلاله ، فقال : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) ، فلما جاءه وكلّمه قال : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) : قال ابن العربيّ في «أحكامه» (١) : قوله : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) : أي : متمكّن مما أردتّ ، أمين على ما ائتمنت عليه من شيء ؛ أمّا أمانته فلظهور برائته ، وأمّا مكانته ، فلثبوت عفّته : ونزاهته / انتهى ، ولمّا فهم يوسف عليهالسلام من الملك أنّه عزم على تصريفه والاستعانة بنظره ، قال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) ، لما في ذلك من مصالح العباد.
قال* ع* (٢) : وطلبة يوسف للعمل إنما هي حسبة منه عليهالسلام في رغبته في أن
__________________
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٠٩١)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦)