يقع العدل ، وجائز أيضا للمرء أن يثني على نفسه بالحقّ ، إذا جهل أمره ، والخزائن : لفظ عامّ لجميع ما تختزنه المملكة من طعام ومال وغيره.
وقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) : الإشارة ب «ذلك» إلى جميع ما تقدّم من جميل صنع الله به ، فروي أن العزيز مات في تلك الليالي ، وقال ابن إسحاق : بل عزله الملك (١) ، ثم مات أظفير ، فولاه الملك مكانه ، وزوّجه زوجته ، فلما دخلت عليه عروسا ، قال لها : أليس هذا خيرا مما كنت أردتّ ، فدخل يوسف بها ، فوجدها بكرا ، وولدت له ولدين ، وروي أيضا ؛ أنّ الملك عزل العزيز ، وولّى يوسف موضعه ، ثم عظم ملك يوسف وتغلّب على حال الملك أجمع ، قال مجاهد : وأسلم الملك آخر أمره (٢) ، ودرس أمر العزيز ، وذهبت دنياه ، ومات ، وافتقرت زوجته ، وشاخت ، فلما كان في بعض الأيام ، لقيت يوسف في طريق ، والجنود حوله ووراءه ، وعلى رأسه بنود عليها مكتوب : (هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف : ١٠٨] فصاحت به ، وقالت : سبحان الله من أعزّ العبيد بالطّاعة ، وأذلّ الأرباب بالمعصية ، فعرفها ، وقالت له : تعطّف عليّ وارزقني شيئا ، فدعا لها ، وكلّمها ، وأشفق لحالها ، ودعا الله تعالى فردّ عليها جمالها ، وتزوّجها ، وروي في نحو هذا من القصص ما لا يوقف على صحّته ، ويطول الكلام بسوقه ، وباقي الآية بيّن واضح للمستبصرين ، ونور وشفاء لقلوب العارفين.
وقوله : «ليوسف» : أبو البقاء : اللام زائدة ، أي : مكّنّا يوسف ، ويجوز ألا تكون زائدة ، فالمفعول محذوف ، أي : مكنا ليوسف الأمور. انتهى.
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٢٤٢) برقم : (١٩٤٦٦) ، وذكره البغوي (٢ / ٤٣٣) ، وابن عطية (٣ / ٢٥٦) ، وابن كثير (٢ / ٤٨٢) ، والسيوطي (٤ / ٤٦) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٢٤٢) برقم : (١٩٤٦٩) ، وذكره البغوي (٢ / ٤٣٣) ، وابن عطية (٣ / ٢٥٦) ، والسيوطي (٤ / ٤٤) ، وعزاه لابن جرير.