الصفة ، وبمثل هذا الحتم ، وغيره نجزي الكفرة وأهل الجرائم على الله.
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي : فراش ، ومسكن ، ومضجع يتمهّدونه ، وهي لهم غواش جمع غاشية ، وهي ما يغشى الإنسان أي : يغطيه ، ويستره من جهة فوق.
وقوله سبحانه : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ، ولهم الخلد فيها ، ثم اعترض فيها القول بعقب الصّفة التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفّف الشرط ، ويرجي في رحمة الله ، ويعلم أن دينه يسر ، وهذه الآية نصّ في أن الشريعة لا يتقرّر من تكاليفها شيء لا يطاق ، وقد / تقدم ذلك في «سورة البقرة».
«والوسع» معناه : الطاقة ، وهو القدر الذي يتّسع له البشر.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٤٣)
وقوله سبحانه : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) هذا إخبار من الله عزوجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغلّ ، والحقد ، وذلك أن صاحب الغل معذّب به ، ولا عذاب في الجنّة.
وورد في الحديث : «الغلّ على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين» (١).
والغل : الحقد والإحنة الخفيّة في النفس. (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) الإشارة ب «هذا» يتجه أن تكون إلى الإيمان ، والأعمال الصالحات المؤدية إلى الجنة ، ويحتمل أن تكون إلى الجنة نفسها ، أي : أرشدنا إلى طرقها.
وقرأ ابن عامر (٢) وحده : «ما كنا لنهتدي» بسقوط الواو ، وكذلك هي في مصاحف أهل «الشام» ، ووجهها أن الكلام متّصل ، مرتبط بما قبله.
ولما رأوا تصديق ما جاءت به الأنبياء عن الله سبحانه ، وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا :
__________________
(١) ينظر : «تفسير القرطبي» (٧ / ٢٠٨)
(٢) ينظر : «شرح طيبة النشر» (٤ / ٢٩٥) ، و «شرح شعلة» (٣٨٩) ، و «العنوان» (٩٥) ، و «معاني القراءات» (١ / ٤٠٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٩)