وقوله : (ذلِكَ ذِكْرى) : إشارة إلى الصلوات ، أي : هي سبب الذكرى ، وهي العظة ، ويحتمل أن تكون إشارة إلى الإخبار بأن الحسنات يذهبن السيئات.
/ ويحتمل أن تكون إشارة إلى جميع ما تقدّم من الأوامر والنواهي والقصص في هذه السّورة ، وهو تفسير الطبريّ.
(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(١١٩)
(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ ...) الآية ، (فَلَوْ لا) : هي التي للتحضيض ، لكن ، يقترن بها هنا معنى التفجّع والتأسّف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد ، وهذا نحو قوله سبحانه : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) [يس : ٣٠] ، والقرون من قبلنا قوم نوح وعاد وثمود ، ومن تقدم ذكره.
وقوله : (أُولُوا بَقِيَّةٍ) : أي : أولو بقية من عقل وتمييز ودين ، (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ) وإنما قيل : (بَقِيَّةٍ) ؛ لأن الشرائع والدول ونحوها ، قوّتها في أولها ، ثم لا تزال تضعف ، فمن ثبت في وقت الضعف ، فهو بقيّة الصدر الأول.
و (الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) : هو الكفر وما اقترن به من المعاصي ، وهذه الآية فيها تنبيه لهذه الأمّة وحضّ على تغيير المنكر ، ثم استثنى عزوجل القوم الذين نجّاهم مع أنبيائهم ، وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم ، و (قَلِيلاً) استثناء منقطع ، أي : لكن قليلا ممن أنجينا منهم ، نهوا عن الفساد ، و «المترف» : المنعّم الذي شغلته ترفته عن الحقّ حتى هلك ؛ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) منه سبحانه وتعالى عن ذلك ، (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) : أي مؤمنة لا يقع منهم كفر ؛ قاله قتادة (١) ، ولكنه عزوجل لم يشأ ذلك ، فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل ، هذا تأويل الجمهور ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ، أي : بأن هداه إلى الإيمان ؛ وقوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) : قال الحسن : أي : وللاختلاف خلقهم (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١٣٧) برقم : (١٨٧١٢) نحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢١٥)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ١٣٩) برقم : (١٨٧٣٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢١٥) نحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» ((٣ / ٦٤٥) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.