الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(١٠٠)
وقوله سبحانه : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ ...) الآية : وفي مصحف أبيّ وابن (١) مسعود : «فهلّا» ، والمعنى فيهما واحد ، وأصل «لولا» التحضيض ، أو الدلالة على منع أمر لوجود غيره ، ومعنى الآية : فهلّا آمن أهل قرية ، وهم على مهل لم يتلبّس العذاب بهم ، فيكون الإيمان نافعا لهم في هذا الحال ، ثم استثنى قوم يونس ، فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع ، وهو بحسب المعنى متّصل لأن تقديره : ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس ، وروي في قصّة قوم يونس : أن القوم لمّا كفروا ، أي : تمادوا على كفرهم ، أوحى الله تعالى إليه ؛ أن أنذرهم بالعذاب لثالثة ، ففعل ، فقالوا : هو رجل لا يكذب ، فارقبوه فإن أقام بين أظهركم ، فلا عليكم ، وإن ارتحل عنكم ، فهو نزول العذاب لا شكّ فيه ، فلمّا كان الليل ، تزوّد يونس ، وخرج عنهم ، فأصبحوا فلم يجدوه ، فتابوا ودعوا الله ، وآمنوا ، ولبسوا المسوح ، وفرّقوا بين الأمّهات والأولاد من النّاس والبهائم ، وكان العذاب فيما روي عن ابن عباس : على ثلثي ميل منهم (٢) ، وروي : على ميل (٣) ، وقال ابن جبير (٤) : غشيهم العذاب ؛ كما يغشى الثوب القبر ، فرفع الله عنهم العذاب ، فلما مضت الثالثة ، وعلم يونس أن العذاب لم ينزل بهم ، قال : كيف أنصرف ، وقد وجدوني في كذب ، فذهب مغاضبا ؛ كما ذكر الله سبحانه في غير هذه الآية ، وذهب (٥) الطبريّ إلى أنّ قوم يونس خصّوا من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب ، وذكر ذلك عن جماعة من المفسّرين ، وليس كذلك ، والمعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي تلبّس العذاب أو الموت بشخص الإنسان ، كقصّة فرعون ، وأمّا قوم يونس فلم يصلوا هذا الحدّ.
*ت* : وما قاله الطبريّ عندي أبين ، (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) : يريد : إلى آجالهم المقدّرة في الأزل ، وروي أن قوم يونس / كانوا ب «نينوى» من أرض الموصل.
وقوله سبحانه : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) : المعنى : أفأنت تكره
__________________
(١) ينظر : «الكشاف» (٢ / ٣٧١) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤٣) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٩٢) ، و «الدر المصون» (٤ / ٦٩)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٦١٣) برقم : (١٧٩١٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٤٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٣) ، وعزاه لأحمد ، وابن جرير.
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ١٤٤)
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٦١٣) برقم : (١٧٩١٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٤٤) والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٣) ، وعزاه لأحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٥) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٦١٤) بنحوه.