بنفسها ، يقع تحت تلك المبايعة كلّ موحّد قاتل في سبيل الله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وإن لم يتّصف بهذه الصفات التي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها ، وقالت فرقة : بل هذه الصفات جاءت على جهة الشّرط ، والآيتان مرتبطتان ، فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ، وهذا تحريج وتضييق ، والأول أصوب ، والله أعلم.
والشهادة ماحية لكلّ ذنب إلا لمظالم العباد ، وقد روي أن الله عزوجل يحمل على الشّهيد مظالم العباد ، ويجازيهم عنه ، ختم الله لنا بالحسنى.
و (السَّائِحُونَ) : معناه : الصائمون ، وروي عن عائشة ، أنها قالت : سياحة هذه الأمّة الصّيام (١) ؛ أسنده الطبريّ (٢) ، وروي أنه من كلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٣).
قال الفخر : ولما كان أصل السياحة الاستمرار على الذّهاب في الأرض ، سمّي الصائم سائحا ؛ لاستمراره على فعل الطاعة وترك المنهيّ عنه من المفطّرات.
قال الفخر (٤) : عندي فيه وجه آخر ، وهو أن الإنسان إذا امتنع من الأكل والشّرب والوقاع ، وسدّ على نفسه باب الشهوات ، انفتحت له أبواب الحكمة وتجلّت له أنوار عالم الجلال ؛ ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «من أخلص لله أربعين صباحا ، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (٥) فيصير من السائحين في عالم جلال الله المنتقلين من مقام إلى مقام ، ومن
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٤٨٦) برقم : (١٧٣٢٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٨٩)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٨٤) برقم : (١٧٣٠٠ ـ ١٧٣٠١)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٨٤) برقم : (١٧٣٠٠) عن عبيد بن عمير قال : سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن السائحين؟ فقال : هم الصائمون. وأخرجه برقم : (١٧٣٠١) عن أبي هارون قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : السائحون هم : الصائمون.
(٤) ينظر : «مفاتيح الغيب» (١٦ / ١٦١)
(٥) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٥ / ١٨٩) من طريق محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو خالد يزيد الواسطي أنبأنا الحجاج عن مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا.
وقال أبو نعيم : كذا رواه يزيد الواسطي متصلا ، ورواه أبو معاوية عن الحجاج فأرسله.
ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣ / ١٤٤).
وقال : هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففيه يزيد الواسطي وهو يزيد بن عبد الرحمن.
قال ابن حبان : كان كثير الخطأ ، فاحش الوهم ، خالف الثقات في الروايات لا يجوز الاحتجاج به ، وحجاج مجروح ، ومحمد بن إسماعيل مجهول ، ولا يصحّ لقاء مكحول لأبي أيوب ، وقد ذكر محمد بن سعد أن العلماء قدحوا في رواية مكحول وقالوا : هو ضعيف في الحديث اه. والحديث قد روي عن مكحول مرسلا كما أشار إلى ذلك الحافظ أبو نعيم.