قال* ص* : وقوله : (فَاسْتَبْشِرُوا) : ليس للطلب ، بل بمعنى : أبشروا ؛ كاستوقد ، قال أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه المسمّى ب «بهجة المجالس» : وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من وعده الله على عمل ثوابا ، فهو منجز له ما وعده ، ومن أوعده على عمل عقابا ، فإن شاء عذّبه وإن شاء غفر له» (١). وعن ابن عباس مثله. انتهى. وباقي الآية بيّن.
قال الفخر : واعلم أنّ هذه الآية مشتملة على أنواع من التأكيدات :
فأولها : قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) ، فكون المشتري هو الله المقدّس عن الكذب والحيلة من أدلّ الدلائل على تأكيد هذا العهد.
والثاني : أنه عبر عن إيصال هذا الثواب بالبيع والشراء ، وذلك حقّ مؤكّد.
وثالثها : قوله : (وَعْداً) ، ووعد الله حقّ.
ورابعها : قوله : (عَلَيْهِ) ، وكلمة «على» للوجوب.
وخامسها : قوله : (حَقًّا) ، وهو تأكيد للتحقيق.
وسادسها : قوله : (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) ، وذلك يجري مجرى إشهاد جميع الكتب الإلهية ، وجميع الأنبياء والمرسلين على هذه المبايعة.
وسابعها : قوله : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) ، وهو غاية التأكيد.
وثامنها : قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) ، وهو أيضا مبالغة في التأكيد.
وتاسعها : قوله : (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ).
وعاشرها : قوله : (الْعَظِيمُ).
فثبت اشتمال هذه الآية على هذه الوجوه العشرة في التأكيد والتقرير والتحقيق. انتهى.
وقوله عزوجل : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) ، إلى قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنّه اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ، ومعنى الآية ، على ما تقتضيه أقوال العلماء والشّرع : أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ، ذكرها سبحانه ، ليستبق إليها أهل التوحيد ؛ حتى يكونوا في أعلى رتبة ، والآية الأولى مستقلّة
__________________
(١) تقدم تخريجه من حديث عبادة بن الصامت.