وقوله سبحانه : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) : أي : ومن المنافقين ، و (يُؤْذُونَ) : لفظ يعمّ أنواع إذاءتهم له صلىاللهعليهوسلم ، وخص بعد ذلك من قولهم : (هُوَ أُذُنٌ) ، وروي أن قائل هذه المقالة نبتل بن الحارث ، وكان من مردة المنافقين ، وفيه قال صلىاللهعليهوسلم : «من سرّه أن ينظر إلى الشّيطان ، فلينظر إلى نبتل بن الحارث» (١) ، وكان ثائر الرأس ، منتفش الشّعر ، أحمر العينين ، أسفع الخدّين ، مشوّها.
قال الحسن البصريّ ومجاهد : قولهم : (هُوَ أُذُنٌ) : أي : يسمع معاذيرنا ويقبلها (٢) ، أي : فنحن لا نبالي من الوقوع فيه ، وهذا تنقّص بقلّة الحزم ، وقال ابن عبّاس وغيره : إنهم أرادوا بقولهم : (هُوَ أُذُنٌ) : أي : يسمع كلّ ما ينقل إليه عنا ، ويصغي إليه (٣) ويقبله ، فهذا تشكّ منه عليهالسلام ، ومعنى (أُذُنٌ) : سماع ، وهذا من باب تسمية الشيء بالشيء ، إذا كان منه بسبب ؛ كما يقال للرؤية : عين ؛ وكما يقال للمسنّة من الإبل التي قد بزل نابها : ناب.
وقيل : معنى الكلام : ذو أذن ، أي : ذو سماع ، وقيل : إنّه مشتقّ من قولهم : أذن إلى شيء ؛ إذا استمع ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به |
|
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا |
وقرأ نافع : «أذن» ـ بسكون الذال فيهما ـ ، وقرأ الباقون (٤) بضمّها فيهما ، وكلّهم قرأ بالإضافة إلى «خير» إلا ما روي عن عاصم ، وقرأ الحسن (٥) وغيره : «قل أذن خير» ـ بتنوين
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ١١٦) بسنده عن ابن إسحاق ، فذكره بلاغا. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (٣ / ٢٥٣) ، عن ابن عباس موصولا.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٠٦) برقم : (١٦٩١٧ ـ ١٦٩١٨ ـ ١٦٩١٩) نحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٢) ، وابن كثير (٢ / ٣٦٦) نحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٤) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن أبي شيبة.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦) برقم : (١٦٩١٦) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٢) ، وابن كثير (٢ / ٣٦٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٤) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.
(٤) وكأن نافعا استثقل ثلاث ضمات فسكّن.
ينظر : «السبعة» (٣١٥) ، «الحجة للقراء السبعة» (٤ / ١٩٨ ، ٢٠٣) ، «حجة القراءات» ص : (٣١٩) ، «إعراب القراءات» (١ / ٢٥٠) ، «إتحاف» (٢ / ٩٤) ، و «العنوان» (١٠٢) ، و «شرح شعلة» (٤١٢)
(٥) وقرأ بها عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر عنه. والمعنى حينئذ : «قل يا محمد فمن يستمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم».