وقوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) ، يريد : في استئذانك ، وأنك لو لم تأذن لهم ، خرجوا معك.
وقوله : (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) ، أي : بمخالفتك ، لو لم تأذن ؛ لأنهم عزموا على العصيان ، أذنت لهم أو لم تأذن ، وقال الطبريّ : معناه : حتى تعلم الصّادقين ؛ في أنّ لهم عذرا ، والكاذبين ، في أن لا عذر لهم ، والأول أصوب ، والله أعلم ، وأمّا قوله سبحانه : في سورة النور : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ...) [النور : ٦٢] الآية ، ففي غزوة الخندق نزلت : (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) ، أي : شكّت و (يَتَرَدَّدُونَ) ، أي : يتحيّرون ؛ إذ كانوا تخطر لهم صحّة أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أحيانا ، وأنه غير صحيح أحيانا ، فهم مذبذبون.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)(٤٩)
وقوله سبحانه : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) ، أي : لو أرادوا الخروج بنيّاتهم ، لنظروا في ذلك واستعدّوا له.
وقوله : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ).
* ص* : و (لكِنْ) : أصلها أن تقع بين نقيضين أو ضدّين ، أو خلافين ، على خلاف فيه. انتهى. و (انْبِعاثَهُمْ) : نفوذهم لهذه الغزوة ، والتثبيط : التّكسيل وكسر العزم.
وقوله سبحانه : (وَقِيلَ اقْعُدُوا) ، يحتمل أن يكون حكاية عن الله ، أي : قال الله في سابق قضائه : اقعدوا مع القاعدين ، ويحتمل أن يكون حكاية عنهم ، أي : كانت هذه مقالة بعضهم لبعض ، ويحتمل أن يكون عبارة عن إذن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لهم في القعود ، أي : لما كره الله خروجهم ، يسّر أن قلت لهم : اقعدوا مع القاعدين ، والقعود ؛ هنا : عبارة عن التخلّف ، وكراهية الله انبعاثهم : رفق بالمؤمنين.
وقوله سبحانه : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) الخبال : الفساد في الأشياء المؤتلفة ؛ كالمودّات ، وبعض الأجرام ، (لَأَوْضَعُوا) معناه : لأسرعوا السّير ،