وقوله سبحانه : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) معنى الخفّة والثّقل هاهنا : مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ، ومن يمكنه بصعوبة ، وأما من لا يمكنه ، كالعمي ونحوهم ، فخارج عن هذا.
وقال أبو طلحة (١) : ما سمع الله عذر أحد ، وخرج إلى الشام ، فجاهد حتّى مات.
وقال أبو أيّوب : ما أجدني أبدا إلا خفيفا أو ثقيلا (٢).
وقوله سبحانه : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) : تنبيه وهزّ للنفوس.
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(٤٥)
وقوله سبحانه : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) ، هذه الآية في المنافقين المتخلّفين في غزوة تبوك ، وكشف ضمائرهم ، وأما الآيات التي قبلها ، / فعامّة فيهم وفي غيرهم ، والمعنى : لو كان هذا الغزو لعرض ، أي : لمال وغنيمة تنال قريبا ؛ بسفر قاصد يسير ، لبادروا لا لوجه الله ، (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) وهي المسافة الطويلة.
وقوله : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) ، يريد : المنافقين ، وهذا إخبار بغيب.
وقوله عزوجل : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ، هذه الآية هي في صنف مبالغ في النفاق ، استأذنوا دون اعتذار ، منهم : الجدّ بن قيس ورفاعة بن التأبوت ومن اتبعهم ؛ قال مجاهد : وذلك أنّ بعضهم قال : نستأذنه ، فإن أذن في القعود قعدنا (٣) ، وإلّا قعدنا ، وقدّم له العفو قبل العتاب : إكراما له صلىاللهعليهوسلم ، وقالت فرقة : بل قوله سبحانه (عَفَا اللهُ عَنْكَ) : استفتاح كلام كما تقول : أصلحك الله ، وأعزّك الله ، ولم يكن منه عليهالسلام ذنب يعفى عنه ؛ لأن صورة الاستنفار وقبول الأعذار مصروفة إلى اجتهاده.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧٦) برقم : (١٦٧٥١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧)
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٧)
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٨١) برقم : (١٦٧٧٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٨) ، والبغوي في «تفسيره» (٣ / ٤٤١) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.