إما لمشركي العرب ؛ إذ قالوا : الملائكة بنات الله ؛ قاله الضّحّاك ، وإما لأمم سالفة قبلها ، وإما للصّدر الأول من كفرة اليهود والنصارى ، ويكون (يُضاهِؤُنَ) لمعاصري النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وإن كان الضمير في (يُضاهِؤُنَ) للنصارى فقط ، كانت الإشارة ب (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) إلى اليهود ؛ وعلى هذا فسّر الطبريّ ، وحكاه غيره عن قتادة (١).
وقوله : (قاتَلَهُمُ اللهُ) : دعاء عليهم عامّ لأنواع الشّر ، وعن ابن عباس ؛ أن المعنى : لعنهم الله (٢). قال الداوديّ : وعن ابن عباس قاتلهم الله : لعنهم الله ، وكلّ شيء في القرآن : قتل ، فهو لعن. انتهى. و (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، أي : يصرفون عن الخير.
وقوله سبحانه : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ ...) الآية : هذه الآية يفسّرها ما حكاه الطّبريّ (٣) ؛ أن عدي بن حاتم قال : «جئت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي عنقي صليب ذهب ، فقال : يا عديّ / اطرح هذا الصّليب من عنقك ، فسمعته يقرأ : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، فقلت : يا رسول الله ، وكيف ذلك ، ونحن لم نعبدهم؟ فقال : أليس تستحلّون ما أحلّوا وتحرّمون ما حرّموا؟ قلت : نعم ، قال : فذلك (٤)».
ومعنى : (سُبْحانَهُ) تنزيها له ، و (نُورَ اللهِ) ؛ في هذه الآية : هداه الصادر عن القرآن والشّرع.
وقوله : (بِأَفْواهِهِمْ) ؛ عبارة عن قلّة حيلتهم وضعفها.
وقوله : (بِالْهُدى) : يعم القرآن وجميع الشّرع.
وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ، وقد فعل ذلك سبحانه ، فالضمير في (لِيُظْهِرَهُ) : عائد على الدّين ، وقيل : على الرسول ، وهذا وإن كان صحيحا ، فالتأويل الأول أبرع منه ، وأليق بنظام الآية.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٥٢) برقم : (١٦٦٣٩) نحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤١٥) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٥٣) برقم : (١٦٦٤٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٥) ، وابن كثير (٢ / ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤١٥) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٣) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٣٥٤)
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٧٨) كتاب «التفسير» باب : «ومن سورة التوبة» ، حديث (٣٠٩٥) من طريق عبد السلام بن حرب ، عن غطيف بن أعين ، عن مصعب بن سعد ، عن عدي بن حاتم به.
وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب ، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث.