وقوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) ، قال ابن عباس وغيره : معنى الشّرك هو الذي نجّسهم ؛ كنجاسة الخمر (١) ، ونصّ الله سبحانه في هذه الآية على المشركين ، وعلى المسجد الحرام ، فقاس مالك رحمهالله وغيره جميع الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم ؛ على المشركين ، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد ، وقوّة قوله سبحانه : (فَلا يَقْرَبُوا) يقتضي أمر المسلمين بمنعهم.
وقوله : (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) ، يريد : بعد عام تسع من الهجرة ، وهو عام حجّ أبو بكر بالنّاس.
وقوله سبحانه : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ، أي : فقرا ، (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وكان المسلمون ، لمّا منع المشركون من الموسم ، وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر ، وقالوا : من أين نعيش؟ فوعدهم الله سبحانه بأن يغنيهم من فضله ، فكان الأمر كما وعد الله سبحانه ، فأسلمت العرب ، فتمادى حجّهم وتجرهم ، وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم.
وقوله سبحانه : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ / ...) الآية : هذه الآية تضمّنت قتال أهل الكتاب ، قال مجاهد : وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزو الرّوم ، ومشى نحو تبوك ، ونفى سبحانه عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر ؛ حيث تركوا شرع الإسلام ؛ وأيضا فكانت اعتقاداتهم غير مستقيمة ، لأنهم تشعّبوا ، وقالوا عزير ابن الله ، والله ثالث ثلاثة ، وغير ذلك ؛ ولهم أيضا في البعث آراء فاسدة ؛ كشراء منازل الجنّة من الرّهبان ؛ إلى غير ذلك من الهذيان ، (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) ، أي : لا يطيعون ، ولا يمتثلون ؛ ومنه قول عائشة : «ما عقلت أبويّ إلّا وهما يدينان الدّين» ، والدّين هنا : الشريعة ، قال ابن القاسم وأشهب وسحنون : وتؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلّها ، وأما عبدة الأوثان والنّيران وغير ذلك ، فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم ، وهو قول مالك في «المدونة».
وقال الشافعيّ وأبو ثور : لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط ، وأما قدرها في مذهب مالك وغيره ، فأربعة دنانير على أهل الذّهب ، وأربعون درهما على أهل الفضّة ، وهذا في العنوة ، وأما الصّلح ، فهو ما صالحوا عليه ، قليل أو كثير.
وقوله : (عَنْ يَدٍ) يحتمل وجوها :
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٤٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٢٠)