(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(١١)
وقوله سبحانه : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ...) الآية : في الكلام حذف ، تقديره : كيف يكون لهم عهد ونحوه ، وفي «كيف» هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى ، و (لا يَرْقُبُوا) معناه : لا يراعوا ، ولا يحفظوا ، وقرأ الجمهور (١) : (إِلًّا) ، وهو الله عزوجل ؛ قاله مجاهد ، وأبو مجلز ، وهو اسمه بالسّريانية (٢) ، وعرّب ، ويجوز أن يراد به العهد ، والعرب تقول للعهد والحلف والجوار ونحو هذه المعاني : «إلّا» ، والذّمة أيضا : بمعنى الحلف والجوار ونحوه.
(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٣)
وقوله سبحانه : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ ...) الآية ، ويليق هنا ذكر شيء من حكم طعن الذميّ في الدّين ، والمشهور من مذهب مالك : أنه إذا فعل شيئا من ذلك ؛ مثل تكذيب الشريعة ، وسبّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قتل.
وقوله سبحانه : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) ، أي : رؤوسهم وأعيانهم الذين يقودون الناس إليه ، وأصوب ما يقال في هذه الآية : أنه لا يعنى بها معيّن وإنما وقع الأمر بقتال أئمة الناكثين للعهود من الكفرة إلى يوم القيامة ، واقتضت حال كفّار العرب ومحاربي النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أن تكون الإشارة إليهم أولا ، ثم كلّ من دفع في صدر الشريعة إلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم.
وقرأ الجمهور (٣) : «لا أيمان لهم» (جمع يمين) ، أي : لا أيمان لهم يوفى بها وتبرّ ، وهذا المعنى يشبه الآية ، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة : «لا إيمان لهم» ، وهذا يحتمل وجهين :
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٠)
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ١٠)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٢) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٧)