الجمل ؛ ويتجه أن يوصف ب «الأكبر» ؛ على جهة المدح ، لا بالإضافة إلى أصغر معيّن ، بل يكون المعنى : الأكبر من سائر الأيام ، فتأمّله.
واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية ؛ على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم افتتح مكّة سنة ثمان ، فاستعمل عليها عتّاب بن أسيد ، وقضى أمر حنين والطائف ، وانصرف إلى المدينة ، فأقام بها حتّى خرج إلى تبوك ، ثم انصرف من تبوك في رمضان سنة تسع ، فأراد الحجّ ، ثم نظر في أنّ المشركين يحجّون في تلك السّنة ، ويطوفون عراة ، فقال : لا أريد أن أرى ذلك ، فأمر أبابكر على الحجّ بالناس ، وأنفذه ، ثم أتبعه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته العضباء ، وأمره أن يؤذّن في النّاس بأربعين آية : صدر سورة «براءة» ، وقيل : ثلاثين ، وقيل : عشرين ، وفي بعض الروايات : عشر آيات ، وفي بعضها : تسع آيات ، وأمره أن يؤذن الناس بأربعة أشياء ، وهي : ألّا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يدخل الجنّة إلا نفس مؤمنة ، وفي بعض الروايات : ولا يدخل الجنّة كافر ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد ، فهو إلى مدّته ، وفي بعض الروايات : ومن كان بينه وبين رسول الله عهد ، فأجله أربعة أشهر يسيح فيها ، فإذا انقضت ، فإن الله بريء من المشركين ورسوله.
قال* ع (١) * : وأقول : إنهم كانوا ينادون بهذا كلّه ، فأربعة أشهر ؛ للذين لهم عهد وتحسّس منهم نقضه ، والإبقاء إلى المدّة لمن لم يخبر منه نقض ، وذكر الطبريّ أن العرب قالت يومئذ : نحن نبرأ من عهدك ، ثم لام بعضهم بعضا ، وقالوا : ما تصنعون ، وقد أسلمت قريش؟ فأسلموا كلّهم ، ولم يسح أحد.
قال* ع (٢) * : وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا.
وقوله سبحانه : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) أي : ورسوله بريء منهم.
وقوله : (فَإِنْ تُبْتُمْ) ، أي : عن الكفر.
وقوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) ، هذا هو الاستثناء الذي تقدّم ذكره ، وقرأ عكرمة وغيره : «ينقضوكم» (٣) ـ بالضاد المعجمة ـ ، و (يُظاهِرُوا) : معناه : يعاونوا ،
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٦)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٦)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٧)