من الذّاكرين الله كثيرا ، فقال : إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة ؛ صباحا ومساء ، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ؛ ليلا ونهارا ـ وهي مبيّنة في كتب «عمل اليوم والليلة» ـ كان من الذاكرين الله كثيرا ؛ والله سبحانه أعلم. انتهى من «الحلية».
* ت* : وأحسن من هذا جوابه صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «سبق المفرّدون! قالوا : «وما المفرّدون ، يا رسول الله؟ قال : الذّاكرون الله كثيرا والذّاكرات» ، رواه مسلم / ، والترمذيّ ، وعنده : «قالوا : يا رسول الله ، وما المفرّدون؟ قال : المستهترون في ذكر الله ؛ يضع عنهم الذّكر أثقالهم ، فيأتون يوم القيامة خفافا» (١) ، قال صاحب «سلاح المؤمن» : المستهترون في ذكر الله ، ـ هو بفتح التاءين المثنّاتين ـ يعني : الذين أولعوا به ؛ يقال : استهتر فلان بكذا ، أي : أولع به ، والله أعلم. انتهى.
فقد بيّن صلىاللهعليهوسلم هنا صفة الذاكرين الله كثيرا ، وقد نقلنا في غير هذا المحلّ بيان صفة الذاكرين الله كثيرا ، بنحو هذا من طريق ابن المبارك ، وإذا كان العبد مستهترا بذكر مولاه ، أنس به ، وأحبّه ، وأحبّ لقاءه ؛ فلم يبال بلقاء العدوّ ، وإن هي إلا إحدى الحسنيين : إما النصر ؛ وهو الأغلب لمن هذه صفته ، أو الشهادة ؛ وذلك مناه ، ومطلبه. انتهى.
و (تُفْلِحُونَ) : تنالون بغيتكم ، وتنالون آمالكم ، والجمهور على أن الرّيح هنا مستعارة.
قال مجاهد : الرّيح : النصر والقوة ، وذهب ريح أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم حين نازعوه يوم أحد (٢) ، وقوله سبحانه : (وَاصْبِرُوا ...) إلى آخر الآية : تتميم في الوصية وعدة مؤنسة ، وقوله سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ...) الآية : الإشارة إلى كفار قريش ، والبطر : الأشر وغمط النّعمة ، وروي أن أبا سفيان ، لمّا أحرز عيره ، بعث إلى قريش ، وقال : إن الله قد سلّم عيركم ، فارجعوا ، فأتى رأي الجماعة على ذلك ، وخالف أبو جهل ، وقال : والله ، لا نفعل حتّى نأتي بدرا ـ وكانت بدر سوقا من أسواق العرب لها يوم موسم ـ فننحر عليها الإبل ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، ويهابنا النّاس ، فهذا معنى قوله تعالى : (وَرِئاءَ النَّاسِ).
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٦١) برقم : (١٦١٧٨ ـ ١٦١٧٩) بنحوه ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٥٣٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٤٣) ، وعزاه إلى الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.