الأذكار التي يقولها بلسانه ، مستحضرا لصفات الجلال والعظمة ، وذلك أن الذكر باللّسان ، إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب ، كان عديم الفائدة ، ألا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أنّ الرجل ، إذا قال : بعت واشتريت مع أنّه لا يعرف معاني هذه الألفاظ ، ولا يفهم منها شيئا ، فإنه لا ينعقد البيع والشراء ، فكذلك هنا ، قال المتكلّمون : وهذه الآية تدلّ على إثبات كلام النفس.
وقوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) ، يدلّ على أن الذكر القلبيّ يجب أن يكون دائما ، وألّا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشريّة ، وتحقيق القول في هذا أنّ بين الرّوح والبدن علاقة عجيبة ؛ لأن كلّ أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى الرّوح ؛ ألا ترى أنّ الإنسان إذا تخيّل الشيء الحامض ، ضرس منه ، وإذا تخيل حالة مكروهة ، أو غضب ، سخن بدنه. انتهى. و (تَضَرُّعاً) : معناه : تذللا وخضوعا ، البخاريّ : (وَخِيفَةً) ، أي : خوفا انتهى.
وقوله : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) : معناه : دأبا ، وفي كلّ يوم ، وفي أطراف النهار ، (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) تنبيه منه عزوجل ، ولما قال سبحانه : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) : جعل بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة ؛ ليبعث على الجدّ في طاعة الله سبحانه.
* ت* : قال صاحب «الكلم الفارقية» : غفلة ساعة عن ربّك مكدرة لمرآة قلبك ؛ فكيف بغفلة جميع عمرك. انتهى.
قال ابن عطاء الله رحمهالله : لا تترك الذّكر ، لعدم حضورك مع الله فيه ؛ لأن غفلتك عن وجود ذكره أشدّ من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة ، إلى ذكر مع وجود يقظة ، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ، ومن ذكر مع وجود حضور ، إلى ذكر مع وجود غيبة عمّا سوى المذكور ، وما ذلك على الله بعزيز. انتهى ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» : قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) : أي : فيما أمرت به ، وكلّفته ، وهذا خطاب له عليهالسلام ، والمراد به جميع أمته. انتهى.
وقوله : (الَّذِينَ) ، يريد به الملائكة.
وقوله : (عِنْدَ) ، إنما يريد به المنزلة ، والتشريف ، والقرب في المكانة ، لا في المكان ، فهم بذلك عنده ، ثم وصف سبحانه حالهم ؛ من تواضعهم ، وإدمانهم العبادة ، والتسبيح والسّجود» ، وفي الحديث : «أطّت السّماء ، وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع شبر