ويمكن أن نستفيد من هذه الأدعية في سجود الإمام الباقر (عليهالسلام) أنه يتضرع إلى الله تعالى بشفاعة جده المصطفى (صلىاللهعليهوآله) ، وأنه كان لا يقتصر على دعاء واحد بل ينوع بأدعيته وإن كان العمل العبادي واحدا وما ذاك إلا توضيح منه لشدة تعلقه بالله وعظيم إنابته إليه.
وأما الحديث عن أدعيته أثناء قنوته في صلواته فقد كانت تستلهم ما في القرآن الكريم من تعابير بلاغية ، فأثرت عنه مجموعة لا بأس بها من هذه الأدعية لعلمه أن أفضل العبادة الدعاء فقد روي عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) قوله في شأن الدعاء : ... ما من شيء أحب إلى الله (عزوجل) من أن يسأل وما يدفع القضاء إلا الدعاء (١).
بهذه العقلية التعبدية كان ينظر الإمام الباقر (عليهالسلام) لمفهوم الدعاء وإليك بعض النماذج من أدعيته المباركة :
ـ يقول الإمام الباقر : اللهم إن عدوي قد استسن في غلوائه واستمر في عدوانه ، وأمن بما شمله من الحلم عاقبة جرأته عليك ، وتمرد في مباينتك ، ولك اللهم لحظات سخط بياتا وهم نائمون ، ونهارا وهم غافلون ، وجهرة وهم يلعبون ، وبغتة وهم ساهون ، وإن الخناق قد اشتد ، والوفاق قد احتد ، والقلوب قد محيت والعقول قد تنكرت والصبر قد أودى وكادت تنقطع حبائله ، فإنك لبالمرصاد من الظالم ومشاهدة الكاظم ، لا يعجلك فوت درك ، ولا يعجزك احتجاز محتجز ، وإنما مهل استثباتا ، حجتك على الأحوال البالغة الدامغة ، وبعبيدك ضعف البشرية وعجز الإنسانية ولك سلطان الإلهية وملك البرية ، وبطشة الأنات ، وعقوبة التأبيد ... (٢).
يتبين من هذا الدعاء أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد سلم أمره لله تعالى وشكا إليه قلة حيلته في مضايقة بعض الناس له مع إظهاره للحلم والأناة والصبر على البلاء وقد كان همه ما يشغل المسلمين دون الدعاء لنفسه مبينا بعض الجوانب السلبية في
__________________
(١) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٨+ المشرع الروي ، الشلي ، ١ / ٣٧+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٢٩.
(٢) مهج الدعوات ، ابن طاوس ، ٥١.