يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ...) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر. قالا : قلنا : إنما قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا ، فكيف أوجب الله ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ قال : أو ليس قد قال الله في الصفا والمروة (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(١) ، ألا تريا أن الطواف واجب مفروض لان الله ذكرهما في كتابه وصنعهما نبيه (صلىاللهعليهوآله) وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي (صلىاللهعليهوآله) وذكره الله في كتابه. قالا : قلنا : فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : إن كانت قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه والصلاة في السفر كلها فريضة ركعتان كل الصلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في السفر والحضر ثلاث ركعات (٢).
وقد اتفق الفقهاء على مشروعية قصر الرباعية في السفر ، لكنهم اختلفوا في وصف هذه المشروعية على مذهبين :
الأول : القصر فرض ، فلا يجوز للمسافر الإتمام ، وإلى ذلك ذهب الإمامية لما ورود في أعلاه من دليل ـ اعني الرواية المتقدمة ـ وأبو حنيفة والظاهرية ، وبعض الزيدية ، وهو قول لمالك (٣).
الثاني : القصر رخصة ، وعليه فانه يجوز للمسافر القصر والإتمام ، إلا أن القصر أفضل ، وبذلك قال أحمد ، وهو المشهور من مذهب مالك وأصح قولي الشافعي (٤).
__________________
(١) البقرة / ١٥٨.
(٢) من لا يحضره الفقيه ، الصدوق ، ١ / ١٤٥+ التهذيب ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٣١٨+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٨ / ٩٤+ البرهان في تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٤١٠.
(٣) مفتاح الكرامة ، السيد العاملي ، ٢ / ٤٩٠+ البحر الرائق في شرح كنز الدقائق ، ابن نجيم ، ٢ / ١٤٠+ المحلى ، ابن حزم الظاهري ، ٢ / ١٠١+ ظ : مسائل في الفقه المقارن ، أستاذنا الدكتور هاشم جميل ، ق ١ / ١٧٠.
(٤) المغني ، ابن قدامة ، ٢ / ١٠٧+ شرح الدردير ، ١ / ٣٥٨+ المجموع ، شرح المهذب ، النووي ، ٤ / ٢٢٣+ ظ : المسائل الدكتور هاشم جميل ، ق ١ / ١٧٠.