خامسا : في قوله تعالى : (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) وما رجعنا إلى هذه الآية من سورة البقرة إلا لتعلق الأمر بعصمة الأنبياء وطالما تكلم عليها علماء الفرق الإسلامية وأما أهل اللغة فقالوا العصمة : بمعنى الحفظ أو المنع (٢) ، أما في الاصطلاح فهي اللطف الذي يفعله الله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح (٣).
وقد اختلف العلماء في عصمة الأنبياء قبل البعثة أو بعدها عن الصغائر أو الكبائر مما جعلها من مباحث علم الكلام ، فمن أراد الاستزادة منها فليراجعها في مظانها (٤).
وعلى أية حال ، فإن الإمام الباقر فسر الآية أعلاه برواية جابر الجعفي عنه أنه قال : إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، فلما جمع له هذه الأشياء وقبض يده قال له : يا إبراهيم (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، فمن عظمها في عين إبراهيم قال : يا رب (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؟ قال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٥).
وفي هذا التفسير دلالة على أن مفهوم الاصطفاء يستلزم الانصياع المطلق لله تعالى وفيه إشارة إلى أن الأنبياء معصومون قبل البعثة ، ولذلك قال الله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فالظالم لفظ مشتق يتحقق التلبس بمتعلقه متى حصل منه ظلم ، فلو حصل قبل البعثة عد ظالما ووجب تكذيب الخبر وحيث اللازم باطل بطل الملزوم.
وذهب لهذا المعنى النسفي في قوله : سأل أن يكون ولده نبيا كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا ، بعد أن عرض القول الأول وهو الإمامة وقال فيه : ولكنا نقول المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق (٦).
__________________
(١) البقرة / ١٢٤.
(٢) لسان العرب / ابن منظور ، ١٢ / ٤٠٤+ تاج العروس ، الزبيدي ، ٨ / ٣٩٩.
(٣) الأمالي ، المرتضى ، ٢ / ٣٤٧+ شرح عقائد الصدوق ، الشيخ المفيد ، ٢٥٤.
(٤) ظ : المواقف ، الايجي ، ٣ / ٢٠٥+ الشفا ، القاضي عياض ، ٢ / ٢٠٣+ كشف المراد ، العلامة الحلي ، ٢١٧.
(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٥٦+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٦٠.
(٦) مدارك التنزيل ، النسفي ، ١ / ٧٣.