أحدها : وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك ، رواه عكرمة عن ابن عباس.
الثاني : وتقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة ، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة.
الثالث : وتصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين ، قاله الحسن (١).
وذكر الزمخشري القولين الثاني والثالث في أعلاه ولم يذكر القول الأول ولم يرجح واحدا منهما (٢) ، وأيد النسفي القول الثالث في أعلاه ذاكرا للقول الثاني مع عدم الميل إليه ، ولم يذكر القول الأول أيضا (٣).
وأضاف القرطبي لهذه الأقوال الثلاثة قولا رابعا غير أنه استبعده وهو : أنك ترى في قلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، وكان (عليهالسلام) يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، وذلك ثابت صحيح وفي تأويل الآية بعيد (٤) ، غير أنه لم يرجح أحد الأقوال أيضا.
ويميل الباحث إلى قول ابن عباس رضي الله عنه والإمام الباقر من أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تقلب في أصلاب الأنبياء ، نبي بعد نبي ، حتى أخرجه ، لأن الصراع بين الفهم التلمودي للإسلام والفهم المحمدي له قائم على أساس أن النبوة منحصرة في إسحاق ، وقد أسهم القرآن الكريم في دحض هذه الفرية فمدح النبي (صلىاللهعليهوآله) في قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ليشير إلى أنه (صلىاللهعليهوآله) مولود من أصلاب الأنبياء كذلك مما يلزمهم الإيمان به كما آمنوا بأنبياء بني إسرائيل ويثبت لهم أن اسماعيل (عليهالسلام) ممن أوتي النبوة دحضا لما اعتبر أساسا دينيا عند اليهود بتكذيب نبوة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، وبتفسير الإمام الباقر وقبله ابن عباس تتجلى هذه الحقيقة واضحة وتنكشف الفرية اليهودية ، فيكون تفسير الإمام من روافد الفهم الإسلامي الصحيح لتدرج النبوات ولمفهوم الاصطفاء لهذه الشريحة الكريمة من البشر.
__________________
(١) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٦ / ١٤٨ ـ ١٤٩.
(٢) الكشاف ، الزمخشري ، ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.
(٣) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٣ / ١٩٩.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٣ / ١٤٤.