لنفسه اسما بل وصف العذاب بقوله : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (١) فسبقت رحمته غضبه من وجهين بل من وجوه.
ولذا قال أبو الحسن موسى عليهالسلام : إنّ الله جلّ ثناؤه خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره فقال له اقبل فاقبل ثمّ قال له أدبر فأدبر فقال الله تعالى خلقتك خلقا عظيما وكرّمتك على جميع خلقي ، ثمّ خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني (٢).
ثمّ جعل لكلّ منهما جنودا من جملتها الرحمة والغضب (٣) كما في الخبر وان احتمل فيه ان لا يكونا بالمعنى الكلّى الذي نحن بصدده فإنّ حقيقة الرحمة وأصله موافقة الرضا والمحبّة ومقام القرب خلقها الله بنفسها لنفسها وخلق من أشعّة أنوارها كلّ خير حتّى الجنة وأهلها ومن فروعها الأنبياء والأولياء والصلحاء والأخيار والأبرار والملئكة والروحانيين وغيرهم من المقرّبين الذين فازوا بمقام القرب الّذى هو حقيقة الرحمة ولذا عبر عنها بالولاية الكليّة المختصة بنبينا خاتم النبيّين واله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فإنهم حقيقة الرحمة ومقام المحبة وتمام النعمة ومن ثمّ أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وأكمل بوصيّه الدين المبين وجعل من فروعهم كلّ خير وبرّ من الأكوان والأعيان والكينونات التشريعيّة والتكوينيّة حتى الأخلاق والأحوال الحسنة والعبادات الواجبة والمندوبة وغيرها ممّا هو مقتضى الولاية الكليّة الّتي عرضها الله على جميع ذرأت العالم فما قبلها طاب وطهر ، وتكوّن على وفق مشيّته وإرادته ومحبّته ورضاه.
__________________
(١) الحجر : ٥٠.
(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ١٠٩ ح ٧ وص ١٥٨ ح ٣٠ وج ٧٨ ص ٣١٦ ح ١ باب مواعظ ابى الحسن موسى الكاظم عليهالسلام عن تحف العقول ص ٣٨٣.
(٣) ليس الغضب من جملتها ، نعم من جملتها ، الانتقام.