ولذا ورد في الخطبة العلويّة ومثلها في الخطبة الرضويّة : فبتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف ان لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف ان لا ضدّ له وبمقارنته بين الأمور عرف ان لا قرين له ضادّ النور بالظلمة واليبس بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلّفا بين متعادياتها مفرّقا بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرّقها وبتأليفها على مؤلّفها ، وذلك قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). آه (١).
فالممكن لا يمكن إيجاده بمعنى أنّه لا ينوجد إلّا أن يكون له ضدّ ، لأنّ كلّ ممكن زوج تركيبي ، فيه جهة من ربّه ، وجهة من نفسه ، وما هو عليه من رتبة إمكانه وفعليته وجوده جهة إمكانيّة يمكن فقدانها وزوالها ، وهو بعينه طرو ضدّها ، فلمّا خلق الله الرحمة محبّة لها وعناية بها أوّلا وبالذات ، لأنّها من فيض جوده وتمام محبّته ومقام قربه استلزم إيجادها خلق الغضب الذي حقيقته البعد عن الرحمة وخلاف المحبّة ، لأن خلق الغضب من تمام قابليّة الرحمة للخلق ، فخلق الرحمة اوّلا وبالذات والغضب ثانيا وبالعرض ، لأنّه بخلاف محبّته ورضاه فلم يرده لذاته بل إنّما اراده لتمام الرحمة ، فمراده ومحبوبه هو الرحمة الّتي وسعت كلّ شيء فكان خلقه قبل خلق الغضب قبليّة ذاتيّة ، ولذا سبقت رحمته غضبه كما في الدعاء.
وعن مولينا الباقر عليهالسلام : إنّ الله خلق الجنّة قبل أن يخلق النار ، إلى ان قال وخلق الرحمة قبل أن يخلق الغضب (٢).
فنسب الرحمة والمغفرة إلى نفسه واشتقّ لها أسماء منها ليفزع المخلوق بها اليه سبحانه فقال : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٣) ثمّ لم يشتقّ من الغضب
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٣٠ ح ٤٩ عن التوحيد.
(٢) البحار ج ٨ ص ٣٠٨ ح ٧٢ عن الكافي ج ٨ ص ١٤٥ ح ١١٦.
(٣) الحجر : ٤٩.