وصف الشيء بكونه مغايرا للموصوف بوصف من حيث هذا الوصف تفيد نفى الوصف ، وإمّا بالصراحة كما قيل في قولهم : أنا غير ضارب زيدا حيث إنّ المراد لست ضاربا له ، لا أنا مغاير لشخص ضارب له ، فالإضافة إنّها هي في اللفظ ، والّا فلا إضافة معنى ، ولذا جوّزوا تقديم معمول المضاف إليه على المضاف في قلوبهم : أنا زيدا غير ضارب كما جاز ذلك في قولهم : أنا زيدا لا ضارب ، فنزّلوا غيرا منزلة لا في صيرورته جزء الكلمة كالمعدولة فينتفى الإضافة من غير أن يتطرق تخصيص إلى ما ذكروه من عدم جواز تقديم معمول المضاف إليه على المضاف.
ولذا لا يقال في أنا مثل ضارب زيدا أنا زيدا مثل ضارب لامتناع وقوع المعمول حيث يمتنع وقوع العامل.
والحاصل جواز تقديم ما في حيّز النفي ولو بغير عليه دون ما في حيّز الإثبات لا لمجرّد الإثبات والنفي بل لما سمعت.
نعم قيل : شرط حرف النفي أن يكون لا أولم أو لن ، دون ما وإن ، وعلّله التفتازاني بأنّ ما تدخل على القبيلتين أي الاسم والفعل فيشبه الاستفهام ، ولم ولن مختصّان بالفعل ، ويكونان كالجزء منه وأمّا لا فهي وإن دخلت على القبيلتين إلّا أنّها حرف متصرّف فيها جاز عمل ما قبلها فيما بعدها ، مثل جئت بلا شيء وأريد أن لا يخرج ، فجاز العكس أيضا.
قلت : ولعلّ الأولى من كلّ ذلك الاقتصار على السمّاع ، وتتبع موارد الاستعمال وما أحسن الكسائي حيث سئل في حلقة يونس لم لا يجوز أعجبني أيّهم قام؟ فقال : أيّ كذا خلقت.
رابعها ما قرء في الشواذّ أيضا ولا الضالّين بالهمزة المفتوحة مقلوبة عن الألف واللام المشالة في لغة من جدّ في الهرب عن التقاء الساكنين حتّى في مثل المقام الذي قد صرّحوا بجوازه فيه ، لكون أوّل الساكنين حرف لين والثاني مدغما