قوّة نظريّة علميّة ، وقوة عمليّة ، فإنّ له قوّة الإدراك وقوّة التحريك ، ولكل منهما شعبتان : العقل النظري ، والعقل العملي ، والشهوة ، والغضب.
الأوّل مبدء التأثر عن المبادى العالية لقبول الصور العلميّة.
والثانية مبدء تحريك البدن في الأفعال الجزئية بالرويّة.
والثالثة مبدء جلب الملائم ، والرابعة مبدء رفع غير الملائم على وجه الغلبة.
فإن كانت الاولى قاهرة غالبة على غيرها يحصل انتظام الأمور الانسانية في الحال والمآل ، ويحصل الوفاق والتسالم بين القوى الأربعة ، ويدخلن في السلم كافة ، ولا يتبعن خطوات الشيطان ، فينزل الله السكينة ، وتكون المدينة حصينة فيحصل من تهذيب العاقلة الحكمة ، ومن تهذيب الغضبيّة الحكم والشجاعة ، ومن تهذيب الشهوية العفّة ، ومن رعاية الاعتدال في جميع القوى العدالة.
وليعلم أيضا أنّ هذه الأربعة بمنزلة الأوساط ولكلّ وسط طرفا إفراط وتفريط.
اليمين والشمال مضلّة والطريق الوسطى هي الجادّة كما أثر عن أمير المؤمنين عليه صلوات الله (١).
ولمّا كان أجناس الفضائل أربعة كانت أجناس الرذائل ثمانية. فضدّ الحكمة في طرف الإفراط الجربزة مأخوذة من جربز اى ذهب أو انقبض أو سقط ، أو إنّها معرّبة كربزة اى الخداع الخبيث كما في القاموس (٢) ، وعلى كل حال يحصل من هذا الإفراط أخلاق رديّة كالمكر والخداع والشيطنة والوسوسة ، وسوء الظّن ، والتهمة ، والغدر.
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة (١٦).
(٢) باب الزاى فصل الجيم.