يحصل لكلّ منهما الترقي والتنزّل في مراتب عرض رتبته.
وإنكار وجود العقل ضعيف بالأدلّة السمعيّة والعقلية الدالّة على وجوده ، ولعلّنا نشير إليها في موضع أليق إن شاء الله تعالى.
وعلى كلّ حال فللنفس انتقالات وترقيات في عرض المراتب والدرجات ، أو في طولها أيضا ، فينتقل من حال الى حال ، ومن درجة الى درجة ، فجميع الناس سائرون في هذه النشأة الدنيوية بأقدام أعمالهم وعلومهم ، طائرون بجناحي العلم والعمل.
وهم في سيرهم إمّا واصلون الى ربّهم ، أى إلى مرضاته ومحلّ قربه وكرامته ، فيرون ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، لسيرهم في الطريق الّذى أمروا بسلوكه ، لأنّهم تخفّفوا فلحقوا ، وصاروا من عباده الذين هم بالبداء إليه يسارعون ، وهم المتّقون الذين هم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وإمّا واقفون للعطالة ، والبطالة ، أو لتردّدهم في سيرهم بين الصعود والهبوط ، ومثاله ما كان لبني إسرائيل في التيه حيث لبثوا أربعين سنة في ستّة فراسخ.
وما ذكرناه ليس مبنيّا على القول بالإحباط والتكفير ، وإن قلنا بهما على بعض الوجوه الصحيحة.
وأمّا غير الفريقين السابقين فهم الراجعون ، ناكسوا رؤوسهم عند ربهم لانتكاس أعمالهم بترك العمل أو فساده ، فهم السائرون على غير الطريق المستقيم لا يزيدهم سيرهم إلّا بعدا (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١).
ثانيها : اعلم أنّ للإنسان قوّتين هما له كجناحين يطير بهما :
__________________
(١) سورة المطفّفين : ١٤ ـ ١٥.