وهذا الخبر وإن لم أظفر به في أصول أصحابنا الاعلام إلّا أنّه حكاه بعض السادة الكرام رفع الله قدره في دار السلام ومجمل الاشارة الى مفاده أن رأس الجالوت لمّا اقتبس من أنوار النبوة والولاية بالاطّلاع على الصحف السابقة ، أو من تجليات أنوار الامام انقسام ما في الكون الى الوجود المطلق الذي هو الفعل والمشيّة الكلية والوجود المقيّد الذي هو المفعول والمشيّة الجزئيّة ، وقد تبيّن عنده أنّه لا يصل الفيض الى السافل إلّا بواسطة العالي ، فلذا سأل عن الواحد المتكثّر وهو الوجود المطلق المنبسط ، فوحدته في نفسه وتكثّره بانبساطه وفيضانه ، ومن المتكثر المتوحد وهو المفعول أى عالم الخلق بجملته لتكثّره في نفسه وانتهائه في سيره وتوجهه إلى الله الى الباب الأعظم الذي هو الوجود المطلق.
وممّا أشرنا إليه يظهر ان الأوّل هو الجاري السيّال المنبسط في نفسه المنجمد المقيّد باعتبار محلّه ومتعلّقه ، وأنّ الثاني هو الناقص في نفسه الزائد باعتبار الانتهاء الى مبدئه بالإقبال والاستكمال ، فأجابه الإمام عليهالسلام مخاطبا له بابن أبيه خطاب مدح لانّهم ، إذ قد يسمّى به من لا يليق به أن ينسب الى أبيه الناسوتي لرفعته عنه اشعارا بأنه ينبغي انتسابه الى الآباء الروحانية النورانية ، ولعل المقام منه ، تعجّبا من دقّة مسئلته ، وغموض حكمته.
وقد يسمّى به من ينفى عن أبيه عهدا وسفاحا ، كزياد بن أبيه (١).
ثمّ عظّم المسألة بالسؤال عنها وعمّن قالها ، ولمن قالها ، وبمن قالها ، وكشف له عن حقيقة الأمر ، وبيّن له أنّه في مقام المشيّة حيث ذكر له : انّك حيث أنت أنت توجهت الى مقام المشار إليه بقوله : انا وأنت بعد قطع جميع العلائق فحينئذ صرنا
__________________
(١) زياد بن أبيه ولد بالطائف ، كان مع أمير المؤمنين عليهالسلام في مشاهده ومع الحسن عليهالسلام الى زمان صلحه ثم لحق معاوية ، وهلك بالكوفة سنة (٥٣) ـ سفينة البحار ج ٣ / ٥٧٧.