وأمّا الشرعيّة الضرورية فهي الّتي مرجعها إلى أسباب التمكين من الفعل بحيث لا يتأتّى الفعل بدونه كعلم المكلّف وقدرته في نفسه ، والتمكّن من الآلات والأدوات الّتي لا يتوصّل إلى الفعل بدونها فيقبح التكليف مع انتفائها عندنا ، وإن جاز عند الأشاعرة القائلين بجواز التكليف بما لا يطاق وطلب المحال بل الطلب المحال وإن لم يقولوا بوقوعه.
وسؤالها مرّة ذاتي جبلي فطريّ ، من حيث أنّ في كينونة الإنسان الشوق الى الكمال والابتهاج بالإقبال ، والسرور بالتشرّف بمقام الامتثال الذي به الفوز والنجاة والخروج عن حضيض البهيميّة إلى أوج ذروة الوصال.
وأخرى ظاهرى مقالي على اللسان كقوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) (١).
وأمّا الشرعيّة الغير الضروريّة أى الّتي يمكن الفعل بدونها ، ولذا لا يتوقّف صحّة التكليف عليها ، لكن يتيسّر به الفعل ويسهل كمقرّبات الطاعة ومبعّدات المعصية ، والمرغبات الّتي توجب الحثّ على الفعل من الوعد والوعيد ونحوها ممّا لا يؤدى الى الإلجاء والاضطرار ، وهذا في الجملة حسب ما تأتى الإشارة اليه هو المسمّى عندهم باللطف ، وقد أطبقت الفرقة المحقّة الاماميّة على وجوبه على الله ، بمعنى أنّه سبحانه كتبه على نفسه ، ولا يتجاوز عنه في تشريعه وتكليفه على خلقه ، ووافقهم في ذلك المعتزلة ، وبه يثبتون وجوب بعث الأنبياء ونصب الأوصياء وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وما تكرّر فيها من الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب وعدم خلوّ الأرض من حجّة ، وغير ذلك من المباحث المهمّة نظرا إلى أنّ ترك اللّطف يوجب نقض غرض المكلّف (بكسر اللام) ، فإنّه إذا علم أنّ المكلّف (بفتح
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٨٦.