أرادت ودالة على وجود صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على الإتيان بما أرادت ، فهي من هذه الجهة أيضا مسبحة لربها ذاكرة له دالة عليه ، منادية بلسان حالها من جهة إمكانها وحدوثها وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا لحكمته وكماله وعنايته الأزلية ، كما قال بعض العارفين : «عين إنكار منكر إقرار است».
ثم قال : والكلام في هذا المقام دقيق ، لا يمكن إجراء أكثر من ذلك منه على الأقلام ويصعب دركها على الأفهام ، وقد أومأت إلى شيء منه في شرح كتاب توحيد «الكافي» (١).
قلت : وبعد ثبوت هذه المقدمة لا ريب أنه قد جرت عادته بأن لا يصل الفيض إلى الأدنى إلا بواسطة الأعلى ، ولا إلى الماديات إلا بواسطة المجردات ، حسب ما هو مشروح في موضعه ، وأن لله تعالى ملائكة موكلة بمصالح العالم وأموره ، أشرفهم أربعة موكلة على الأركان الأربعة العرشية ، وهي الخلق والرزق والإحياء والإماتة ، وملائكة أخر موكلة على الأملاك والعناصر والكواكب والسحاب والرياح والأشجار والنباتات والحيوانات وأفراد الإنسان وألحاظهم وألفاظهم وحركتهم وسكونهم وفكرهم ونظرهم وقواهم وعلى القوى الطبيعية من الجاذبة والدافعة والممسكة والهاضمة والمولدة والمصورة وغيرها.
ومنهم الملكان الخلاقان يخلقان في الأرحام ما يشاء الله ويشكلانه ويصورانه ويكتبان عليه ما يشاء الله من الرزق والحياة والعمر والشكل والسعادة والشقاوة إلى غير ذلك.
ومنهم الملائكة الموكّلة بقطر الأمطار وإنزالها وبلوغها إلى مواقعها ، فإنه ينزل مع كل قطرة من المطر ملك لا يصعد أبدا.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٦٠ / ١٦٨ ط طهران دار الكتب الاسلاميّة.