وأما الضوء فلا ندركه وحده ، ولكن لمّا غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا التفرقة بين الحالتين ، فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء ، واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب ، فعرفنا وجود النور بعدمه ، وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد ، وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور.
هذا مع أنّ النور أظهر المحسوسات فهو الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، وقد خفي أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضده.
فالوجود المطلق فضلا عن الحقّ حريّ بالاختفاء لفرط ظهوره وشدة نوره (١).
فجعله بالجعل الإبداعي التكويني كلمة تامة لتمامية المتكلّم به وكماله في صفتي الجلال والجمال على أربعة أجزاء فإنّ للمشية الكلية أربعة مقامات :
الأول : مقام اسم الفاعل ومثاله القايم من زيد فإن زيدا لمّا ظهر بصفة القيام قيل له : القائم ، ففعله قيامه ، وهو القائم لكن لا بذاته ، ولذا لو قعد لم يكن قائما ، بل بفعله ، فهو اسم للفاعل من حيث هو فاعل ، وهو الذي خلقه الله بنفسه وأمسكه بظلة ، فإنه تعالى لا ظل له يمسكه ، وهو يمسك الأشياء بأظلّتها ، وهو المشار إليه في الدعاء الرجبية المهدوية عجل الله فرجه بقوله :
«ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك ، لا فرق
__________________
(١) قال الحكيم المتأله السبزواري :
يا من هو اختفى لفرط نوره |
|
الظاهر الباطن في ظهوره |
وقال الشبستري :
جهان جمله فروغ نور حق دان |
|
حق اندر وي زبيدائي است پنهان |