قائل هذين البيتين هو الشاعر أبو إسحاق الصابي. و «المدامة» هي الخمر سميت بذلك لإدامتها في الراقود ـ الذي يوضع أو يقعد في حفرة ـ فترة من الزمن حتى سكنت بعد فورانها عند صنعها. وأسبلت : أي أرسلت وفي الآية الكريمة جمعت لفظتا «كأس» و «كوب» و «الكأس» هي الزجاجة ما دام فيها الشراب فإن خلت منه فهي قدح وتطلق الكأس على الشراب وحده. ووصف سبحانه الشراب بأنه من معين لطهره .. وصفائه ولذلك بقيت للخمرة نشوتها ولذتها وحسن المسر عليها وذهب عنها خبثها وخمارها وشرود العقل منها لا كخمر الدنيا التي تصيب متعاطيها بصداع الرأس ودواره ويدركهم ما يدركهم من نزف العقل وهو فقده واستتاره .. وقد كنى سبحانه عن الخمر بأنها كأس من معين فأبان عن صفائها وطهرها ونفى أذاها وخبثها .. فهناك الأكواب وهي الأقداح الكبائر والأباريق وهي تملأ من الأكواب والكأس وهي تملأ من الأباريق .. وأفرد عزوجل الكأس وجمع الأكواب والأباريق لأن الشارب يشرب بكأس واحدة فقط من أكواب متعددة.
** (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. المعنى : وفرش مقربة لهم مرفوعة على الأرائك ـ الأسرة ـ جمع «أريكة» أي سرير أي رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة .. وقيل : الفرش : النساء .. ارتفاعها أنها على الأرائك ويدل عليه قوله تعالى في الآية الكريمة التالية : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أي خلقنا نساء الجنة الحوريات خلقا جديدا من غير ولادة.
** (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين .. المعنى : فجعلناهن فتيات عذارى .. جمع «بكر» بكسر الباء وسكون الكاف بمعنى : عذراء وتطلق على المرأة التي ولدت بطنا واحدا أيضا .. وبكرها : هو ولدها والذكر والأنثى سواء. ونقول خرج الناس على بكرة أبيهم : بمعنى كلهم ولا نقول : عن بكرة أبيهم. ونقول : بكر الرجل يبكر ـ بكورا .. من باب «دخل» بمعنى أسرع ومثله القول : بكر إلى الشيء نحو : بكر المؤمن إلى الصلاة : أي أسرع إليها وصلاها لأول وقتها ويقال : ابتكرت الشيء : بمعنى : أخذت أوله وعليه قول الرسول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من بكر وابتكر .. أي من أسرع قبل الأذان وسمع أول الخطبة. جاء في الحديث الشريف : كانت ضربات علي أبكارا : أي إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط .. بمعنى : شق طولا وقطع عرضا.
** (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والخمسين .. المخاطبون في هذا القول الكريم هم المكذبون الضالون .. وشجر الزقوم : هو شجر له ثمر مر وكريه الطعم والمنظر والرائحة .. و «الزقوم» كلمة لا يعرفها العرب وقد سألوا عنها وعن معناها بعض الوافدين عليهم من إفريقية فقالوا : إنها الزبد والتمر. فقالت قريش : أبهذا يخوفنا محمد!؟ فوصفها الله تعالى في الآية الرابعة والستين من سورة «الصافات» : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) وفي الآية التالية : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) أي إنها شجرة تنبت في قاع جهنم حملها ـ أي ثمرها ـ كأنه رءوس الشياطين وورد ذكرها في سورة «الدخان» أيضا. وقيل : إن الزقوم : اسم شجرة في تهامة صغيرة الورق مرة الطعم وهي شجرة خبيثة .. وهو نبت بشع الصورة يستمد طعمه ومادته من أصل الجحيم فإذا اضطر أهل النار إلى أكله اضطرارا غلي في بطونهم كغلي الحميم فإذا اشتد بهم غليل الظمأ لا يجدون إلا الماء البالغ أشد غايات الحرارة. ويروى أن أبا جهل دعا بتمر وزبد فقال : تزقموا فإن هذا هو الذي يخوفكم به محمد!