والترويع وحذف الجواب للسبب المذكور أو بتقدير : إذا وقعت الواقعة فسترون ما يجل عن الوصف. ومنه القول : وقعت بالقوم وقيعة : بمعنى : قتلت وأثخنت. وتميم تقول : أوقعت بهم. و «الوقعة» صدمة الحرب. والوقيعة : القتال. قال عنترة بن شداد في معلقته :
يخبرك من شهد الوقيعة أنني |
|
أغشى الوغى وأعف عند المغنم |
والفعل «يخبرك» جاء مجزوما لأنه جواب «هلا سألت الخيل .. الوارد في البيت السابق والوقعة والوقيعة : اسمان من أسماء الحروب وجمعهما : وقعات ووقائع. و «الوغى» هو أصوات أهل الحرب ثم استعير للحرب و «المغنم» و «الغنيمة» بمعنى واحد هو المكسب. يقول الشاعر : إن سألت الفرسان عن حالي في الحرب يخبرك من حضر الحرب بأني كريم عالي الهمة آتي الحروب وأعف ـ أي أكف وامتنع ـ عن اغتنام الأموال. ويسمي الكوفيون الفعل المتعدي : واقعا. ومن معاني «الوقيعة» أيضا : الغيبة نحو : وقع في الناس وقيعة : أي اغتابهم واسم الفاعل هو وقاع ووقاعة : أي يغتاب الناس .. ومن معانيها أيضا : موضع وقوع الطائر .. ووقائع العرب : هي أيام حروبهم. وسميت «القيامة» الواقعة لأنها أيضا تقع بالخلق فتغشاهم. و «الواقع» هو اسم فاعل ومؤنثه : الواقعة ويجمع «الواقع» على «وقع» بضم الواو وتشديد القاف و «وقوع» ومن معانيه : الثابت .. نحو : وقع الحق : أي ثبت ووقع القول عليهم : أي وجب فهو واقع أي واجب .. ووقع الكلام في نفسه : بمعنى أثر فيها فهو مؤثر أما الفعل المزيد «توقع» فمعناه : انتظر حصول الأمر أو الشيء .. وكثيرا ما تلازم لفظة «الواقع» الحقيقة في قول من يتصف بضعف في انتقاء الكلمات عند الحديث أو في بطء بتفكير أو قصور في التعبير فنراه يستخدم هذه الازمة التي باتت رائجة وشهيرة وهي قوله وهو يتحدث : في الحقيقة والواقع .. وقد يفقد المتحدث من دون أن يدري قيمة حديثه عند تكراره لهذه اللفظة التي يحاول من خلالها استجماع أفكاره وصوغ عباراته .. أما «الواقعي» فهو التابع لمذهب الواقعية وهي مذهب القائلين بحقيقة المجردات في ذاتها .. والواقعية في الأدب : هي تصوير أو تمثيل الأشياء في حقيقتها مع كل ما يمكن أن يكون فيها من بشاعة. ويقال : خاض المسلمون أكثر من ثلاث مواقع في أكثر من ثلاثة مواقع .. ذكر العدد «ثلاث» لأن معدوده «مواقع» جمع «موقعة» وهي لفظة مؤنثة والعدد يخالف المعدود من ثلاثة إلى عشرة وأنث العدد «ثلاثة» لأن معدوده «مواقع» جمع «موقع» وهو لفظة مذكرة. وعودة إلى الآية الكريمة الأولى من سورة «الواقعة» يروى أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ورد على لسانه جوابا على أصحابه حين قالوا له : لقد أسرع منك الشيب؟ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «شيبتني هود والواقعة» وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ما نزلت على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية ولهذا قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «شيبتني هود والواقعة وأخواتهما». ويروى عن بعضهم قوله : رأيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في النوم فقلت له : روي عنك أنك قلت : شيبتني هود؟ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : نعم. فقلت : ما الذي شيبك فيها أقصص الأنبياء أم هلاك الأمم؟ فقال : لا. بل قوله : استقم.
** (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. المعنى : وفتتت الجبال تفتيتا وقيل : سيقت من قولهم : بس الإبل .. نحو : بس الإبل ـ يبسها ـ بسا .. من باب «رد» أي ساقها أو زجرها أيضا .. و «البسوس» اسم امرأة من العرب هاجت بسببها الحرب أربعين سنة بين العرب فضرب بها المثل في الشؤم فقالوا : أشأم من البسوس .. وبها سميت حرب البسوس.