بأعمال العباد ، والعلم بالصغير لا يستلزم العلم بالكبير بخلاف العكس ، كقولك : إذا أبصرت من هو على عشرة فراسخ فأحرى أن تبصر من هو على فرسخ واحد.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ).
قال ابن عرفة : هذه الآية تكررت في القرآن لما اشتملت من الأمر الغريب العجيب والوعظ ؛ لأن إبليس كان من الملائكة فأخرج منهم ، وكان آدم في الجنة فأهبط منها فينبغي الاتعاظ بهما وأن لا يثق بعلمه ، ويكون حائطا مراقبا حركاته وسكناته ، قال : والسجود إما حقيقة ، إن قلنا : إن الملائكة أجسام متحيزون ، أو بمعنى الخضوع ، إن قلنا : إنهم غير متحيزين ، ونقول بالجوهر المفارق ، والصحيح أن إبليس ليس من الملائكة ؛ لأن الملائكة أجمع العلماء على عصمتهم فكيف يكون إبليس منهم؟
قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ).
وهذا من تقديم العلة على المعلول مما فيها ، فسجد وزنا فرجم ، وقد يقدم المعلول على العلة فكونه من الجن علة في فسقه.
قوله تعالى : (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).
دليل على أن الأمر غير الإرادة ؛ لأن الله تعالى أمره بالسجود ولم يرده منه ؛ إذ لو أراده لوقع تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ).
إن قلت : لم عبر في الأول بالنداء ، وفي الثاني بالدعاء؟ قال : فعادتهم يجيبون بأن النداء يكون لمحبوب الدعاء للإنسان ولمكروهه ، والدعاء إنما يكون لمحبوبه ؛ فما يدعو الإنسان إلا من يجيب فهو أخص من النداء ، ولذلك قرن الأخص ؛ لأن الاستجابة إنما تكون بالمؤاخذة دون المخالف ، فلذلك قال : (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي فلم يجيبوهم بغرضهم.
قال ابن عرفة : وغلط هنا ابن عطية ، وأبو حيان ، فنقلا عن ابن كثير أنه قرأ شركائي بالقصر بغير مد ولا همز وليس كذلك ، وإنما قرأ ذلك في سورة النحل حسبما نص عليه الشاطبي ، وابن غلبون في أصول القراءات.
قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ).