سورة الشعراء
قوله تعالى : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً).
قال ابن عرفة : إن قلت : ما وجه الربط بين هذه وبين قوله : (فِينا) ، قلت : أفاد الترتيب ، تارة يكون للتعليم ، وتارة يكون للاستخدام ، فتربيته لنتخذه خديما فهذه نقمة ، وتارة تكون نعمة ، وهو أن يريه محبته وشفقته عليه ، ولم يدخلها على ما بعد ؛ لأنه يحنث عنه بالمخالفة ، فإن قلت : ما أفاد قوله : (مِنْ عُمُرِكَ) ، قلنا : لفظ العمر نعمة ؛ لأنه مأخوذ من العمرى المذكورة في الفقه ، فإنها هبة المنافع ، وذلك نعمة ، فإن قلت : هلا قال : ولبثت فينا من عمرك أعواما ، فهو داخل في باب النعمة والامتنان ، قلت : لفظ العمر تغني عنه.
قوله تعالى : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ).
الظاهر أن الكفر فيه الإيمان ، وحكى الآمدي وابن الحاجب عن المعتزلة امتناع اتصاف النبي بالكفر قبل النبوة وبعدها عقلا ، وجوز عليهم ذلك أهل السنة عقلا ، قالوا : لكنه لم يقع ، وزعم فرعون أنه وقع ، وهذا لا أذكره بمحضر العوام ، وهكذا هنا فإن الله تعالى عاصم من يريد بنبوته من كل بدع ، ومن بعض الصغائر ، وهي صغائر الخمسة فما بال الكفر ، وهذا على أصل مذهبه.
قوله تعالى : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).
قال سيبويه : إذا جواب وجزاء ، قال ابن الصفار : فهم الشلوبين على أنه شرط وجواب ، فأخذ الجزاء بمعنى الشرط ، فقوله : إذا أكرمك ، لمن قال : أنا أزورك ، معناه : إن تزرني أكرمك ، قال في هذه الآية معناه : إن كنت فعلتها فأنا ضال ، فلزمه إثبات الضلال لموسى صلّى الله على نبينا محمد وعليه وعلى آلهما وسلم ، وأجاب : بأن المعنى قوله : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، بالنعم فقال موسى عليهالسلام : إن كنت كافرا بأنعمك فأنا ضال ، أي جاهل بأن الوكزة تقتل القبطي ، ورده ابن الصفار ، بأن الكفر إذا ذكر مطلقا فهو ضد الإيمان ، وإن أريد به غير قيد له ، وكذلك إنما هو على هذا المعنى ، ولو سلمناه ففيه عكس المعنى ؛ لأنه إذا كان فعله ذلك كافرا بالنعمة عليه فليس من الضالين بل من المبين ، وهذا بنا على شرط وجواب ، وقال : لاحتاج إلى هذا بل مراد سيبويه في نعم إنها عدة وتصديق ، وذلك لا يجتمع فيه بل هي تصديق لما مضى عدة في المستقبل ، فقولك : نعم لمن قال : فعلت كذا تصديق ، ولمن قال : افعله عدة ، وكذلك إذا قال : أنا أزورك ، فيقول : إذا أكرمك فهو جواب وجزاء ، وإذا