إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير ابن عرفة [ ج ٣ ]

تفسير ابن عرفة [ ج ٣ ]

92/416
*

قيل : إنهم صف واحد ، وقيل : أنهم صفوف ، وعبر بالواحد عن الجمع إشارة إلى كمال قدرة الله تعالى في تنزيل الجماعة عنده منزلة الواحد في العرض والرؤية ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) [سورة الصف : ٤] عبر هنالك بالواحد عن الجماعة تحريضا على المقاتلة ، وحثا على التقدم في الصف الأول الموالي للعدو ، وحتى كان الجميع صفا واحدا.

قوله تعالى : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً).

إن قلت : الأصل أن يقال : بل زعمتم أن لن نجعل لكم ؛ لأنه ماض فالأصل نفيه بلم ، وأجيب بأنه مكانه حكاية حال ماضيه.

قوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ).

ابن عرفة : الكتاب إما واحد بالنوع ؛ أي تضع لكل إنسان كتابه ، أو واحد بالشخص ويكون واحدا للناس كلهم ؛ وهو اللوح المحفوظ أو شبهه فيه جميع أعمال الخلق وغير موضع ، ولم يقل : وأحضر الكتاب ، وكذلك قال في سورة تنزيل تنبيها على أنه وضع للنظر فيه والاطلاع عليه ؛ بخلاف ما لو قيل : وأحضر الكتاب ؛ فإنه لا يتعمد هذا المعنى.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها).

[٥١ / ٢٤٤ و] هل هو تأكيد ؛ لقوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) [سورة الأنعام : ٣] ، وقوله تعالى : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) [سورة الممتحنة : ١] ، أو هو كقوله تعالى : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه : ٧] قيل : هو تأكيد ؛ لأنه إذا أحصى الصغائر فأحرى أن يحصي الكبائر ، وأجيب بأنه تأسيس إشارة إلى أن إحصاءه الصغيرة بجميع أجزائها كمن أحصى جزءا من خمسة أجزاء ؛ فإنه قد يقدر أن يحصي صغيرة من عشرة أجزاء ، وقد لا يقدر عليها ، وإما أنه تأكيد والعطف للتسوية إن إحصاءه للصغيرة مساو لإحصائه للكبيرة ، وإحاطته بعلمها واحدة تنبيها على كمال الإحاطة ، وإما لأن العطف ليدل اللفظ على إحصائه الكبيرة دلالتين بالمطابقة وباللزوم.

قلت : وأجاب صاحب الفلك الدائر بأن الآية ليست لتفصيل أحوال الواحدة ، فيكون إحصاء الصغيرة فيها يستلزم إحصاء الكبيرة ؛ وإنما هي لإحاطة علم الله تعالى