أنهم لا يبصرون شيئا البتة لا قليلا ولا كثيرا ؛ فيستلزم أنهم لا يهتدون البتة من باب أحرى.
قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ).
يحتمل حقيقة فلا يستطيعون زوالا عن ذلك المسخ ، وانتقالا إلى حالهم الأول ، وأما المسخ بأنهم أقعدوا ومنعوا عن القيام ؛ فلا يستطيعون مضيا ولا رجوعا إلى حالتهم الأولى بوجه.
فإن قلت : قد قال السكاكي : في مفعول شاء أنه يحذف ولا يذكر إلا إذا كان مستغربا لقوله :
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته
وهذا مستغرب فهل ذكره؟ فالجواب : أن الفاعل هو الله تعالى ، ولا يستغرب إلا ما ينسب إلى المخلوق ، وأما الخالق فليس شيء عنده بغريب أصلا.
قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ).
قيل : معناه وما ينبغي له أن يقوله ، وقد ورد بأنه قد قال : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب" ، وورد في القرآن (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [سورة آل عمران : ٩٢] ، (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(١) [سورة سبأ : ١٣] ، (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) [سورة القصص : ٧٦] الآية ، وأجيب : بأن ذلك غير مقصود الوزن والتقفية ، وشرط كونه شعرا القصد لذلك.
قال شيخنا : وهذا مما ينازع فيه الخصم ، فنقول لعله قصد ذلك ، وإنما الجواب : أن المعنى وما ينبغي له تعلمه ، فهو وإن قاله فإنما قاله اتفاقيا من غير تعلم ، وهذا مشاهد من أرباب الصنائع ، أن الرامي قد يصيب الغرض في ابتداء تعلمه اتفاقيا.
كما قال الإمام مالك رحمهالله تعالى ، وقد سئل عن عجوز باعت واشترت على سبيل الصواب ، هل يعطيها مالها ، أم لا؟ فقال : رب رمية من غير رام.
وكان الشيخ ابن عبد السّلام يقول : المعنى وما ينبغي له أن تتعاطى ما لا علمه الله ، [٦٤ / ٣١١].
__________________
(١) وردت في المخطوطة : وجفان وقدور راسيات ووردت في المصحف : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ وقد أثبتنا ما في المصحف.