البيت كيلا يسكنه ، ومن بنى لنفسه في الشاهد وهو يعلم (١) أنه لا يسكنه ، صار عابثا في فعله ، وجل الله تعالى عن أن يوصف بالعبث.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
أي : نجني من شر فرعون وجوره ، ومن عمله أي : من كفره ؛ فيكون قولها : (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ) راجعا إلى نفسه ، والآخر راجعا إلى عمله ، (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ) راجعا إلى قومه ، فسألت النجاة عنهم جملة ، لما كانوا يمنعونها عن عبادة الله تعالى ، فكانت تخاف ناحيتهم ، ولا تأمن وتخاف منهم ، فسألت النجاة منهم ؛ لتصل إلى عبادة ربها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها).
فأخبر عنها بإحصانها فرجها ، وذلك بالأسباب ، وهي ما اتخذت بين نفسها وبين الناس حجابا ؛ لئلا يقع بصر الناس عليها ، ولا يقع بصرها عليهم لتصل به إلى تحصين فرجها ؛ قال الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور : ٣٠] ، وهم إذا غضوا الأبصار ، وصلوا إلى حفظ الفروج ؛ ففي الحجاب غض البصر ، وفي غض البصر وصول إلى حفظ الفرج وإحصانه ، وقال في آية (٢) أخرى : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ) [آل عمران : ٤٢] ، وتطهيره إياها في أن طهرها من الفواحش والزنى ، فأضاف الإحصان إليها في الآية الأولى ، وأضاف التطهير هاهنا إلى نفسه ، فوجه إضافة الإحصان إليها ما ذكرنا : أنها تكلفت الأسباب التي هي أسباب الموانع للزنى ، الدواعي إلى الإحصان ، وأضاف إلى نفسه التطهير ؛ لأن وقوع ذلك وحصوله كائن به ، ففيه دلالة أن كل فعل من أفعال العباد لا يخلو من أن يكون لله ـ تعالى ـ فيه صنع وتدبير.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا).
أي : خلقنا فيه ما به تحيا الصور والأبدان.
وقوله : (فِيهِ) ، أي : في عيسى ، وقال في آية أخرى : (فَنَفَخْنا فِيها) [الأنبياء : ٩١] أي : في نفس عيسى ـ عليهالسلام ـ والنفس مؤنث.
ثم تشبيهه بالنفخ : أن الروح إذا خلق فيه انتشر في الجسد كالريح إذا نفخت في شيء انتشرت فيه.
أو التشبيه بالنفخ لسرعة دخوله فيما نفخ فيه كالريح ، والله أعلم.
وقوله : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها).
__________________
(١) في ب : لا يعلم.
(٢) في أ : آيات.