بالسيف ، والمنافقين بإقامة الحدود عليهم ؛ وذلك أن المنافقين هم الذين كانوا يرتكبون المآثم التي أوجب فيها الحدود ففيهم نزلت الحدود ، وأما أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد عصموا عن المآثم التي لها الحدود.
وقالت الباطنية في قوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) أي : جاهد الكفار والمنافقين بالقتال ، فكان مأمورا بالقتال مع الفريقين جميعا ، ولكنه اشتغل بقتال أهل الكفر ، ولم يتفرغ لقتال أهل النفاق فتولى قتالهم علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وما ذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه حين رأى عليّا ـ رضي الله عنه ـ يخصف نعله : «إن خاصف نعله يقاتل على التأويل كما نقاتل نحن على التنزيل» ، وقتاله على التأويل قتال أهل النفاق ، فإن كان الأمر على ما ذكروا من القتال فأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ هو الذي تولى قتال أهل النفاق لا عليّ ـ رضي الله عنه ـ لأنه ذكر أن العرب ارتدت بعد ما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقاتلهم أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وارتدادهم يدل على أنهم لم يكونوا محققين في إيمانهم ؛ إذ لو كانوا كذلك لم يرجعوا بل كانوا منافقين ، وأما الذين قاتلهم علي ـ رضي الله عنه ـ فلم يكونوا منافقين بل كانوا يدعون عليّا ـ رضي الله عنه ـ إلى أن يحكم بكتاب الله تعالى ، والمنافق هو الذي يظهر من نفسه أنه يعمل بحكم الله تعالى ، ثم يسر بخلاف حكمه ، لا أن يدعو إلى العمل بحكم الله تعالى ، وهذه السمة ظهرت في الذين قاتلهم أبو بكر دون الذين قاتلهم علي ـ رضي الله عنه ـ ثم مجاهدته صلىاللهعليهوسلم في تقرير الحجة في قلوب الكفرة والمنافقين وإلزامها عليهم ، وذلك يكون مرة بالسيف ومرة بإلزامها باللسان.
ووجه إلزام الحجة بالسيف ما ذكرنا أن غلبته على الأعداء مع [كثرتهم وقوة](١) شوكتهم وقلة أنصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم يظهر لهم نصر الله إياه وكونه على الحق ، فيحملهم ذلك على الإيمان بالله تعالى ، وإذا كان كذلك فقوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) في إلزام الحجة ؛ فإن كانوا في موضع أمن فمجاهدتهم في إلزام الحجة عليهم من جهة القول ، وإن كانوا في موضع المحاربة والقتال ، فمجاهدتهم في قتالهم ، وقد كان من المنافقين من قد لحق بالكفرة وذب عنهم ، ألا ترى إلى قوله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨] ، فمن لحق بهم قاتلهم مع الكفرة ، ومن لم يلحق بهم ألزمهم الحجة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).
__________________
(١) في أ : كثرة.