غير مغفورة ، حتى وقعت لهم الحاجة إلى التوبة وطلب المغفرة ، وقال أيضا في آية أخرى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : ٣١] ، فإما أن يكونوا أمروا بالتوبة عن الصغائر ؛ فيكون فيه دلالة على أنها ليست بمغفورة ؛ إذا احتاجوا إلى التوبة عن الصغائر ، أو عن الكبائر ؛ فيكون فيه دلالة بقائهم على الإيمان ؛ وكذلك قال : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩] ، وإن كان استغفاره هذا عن الصغائر ، ففيه دلالة على أنها غير مغفورة ؛ لحاجته إلى طلب المغفرة ، ولو كان الأمر على ما ظنت المعتزلة ، لكان [سؤاله المغفرة](١) يخرج مخرج الاستهزاء برب العالمين ؛ لأنه يطلب منه ما لا يملك ، وذلك في الشاهد هزء واستخفاف بالمسئول (٢).
وإن كان في الكبائر ، ففيه دلالة بقائهم وثباتهم على الإيمان ؛ لأنه قال : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩].
ثم قوله تعالى : (تَوْبَةً نَصُوحاً).
قرئ بنصب النون وضمها : نصوحا ، والضم (٣) يخرج مخرج المصدر ، والنصوح ـ بالفتح ـ : يخرج مخرج النعت للتوبة ، والفعول من الأفعال هو اسم للمبالغة في الأمر ، فكأنه يقول : توبوا توبة تناهت في نصحها ، والمبالغة في النصح أن يكون صادقا في توبته ، وعلامة الصدق أن يكون نادما بقلبه عما فعل ، عازما على ألا يرجع إليه ، وأن يقلع يديه عما كان فيه من المعاصي ، وأن يستغفر الله بلسانه ؛ فيستعمل كل جسده في الندم والانقلاع ، كما استعمل سائره في التلذذ بالمآثم ؛ فذلك هو المبالغة في النصح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) بالتوبة ، ففي هذا إبانة أن من السيئات سيئات لا تكفر إلا بالتوبة ، ومنها ما يكفر باجتناب الكبائر بقوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١] لا أن يكفر كلها بالاجتناب عن الكبائر كما زعمت المعتزلة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
وقد سبق بيان هذا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
وللمعتزلة بهذه الآية تعلق ، وهو أن قالوا بأن الله تعالى أخبر أنه لا يخزي النبي
__________________
(١) في أ : سؤالهم مغفرة.
(٢) في أ : بالسؤال.
(٣) في ب : فالضم.