الحمار يحمل الكتب ، لا يعلم ما قدرها وخطرها؟ وهذا التأويل أقرب ؛ لأنه قال في سياق هذه الآية : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) ، فثبت أن المعنى من الأول التكذيب ، والله أعلم.
قال : ثم معلوم أن هذا التكذيب والتحريف إنما كان من عمل كبرائهم ورؤسائهم ، فأخبر أنهم كذبوا ولم يعرفوا قدرها حين كذبوا ؛ ليزجر متبعيهم عن اتباعهم ، ويبين أن رؤساءهم ليسوا ممن يستحقون الاتباع.
وفيه ـ أيضا ـ زجر للمسلمين أن يستخفوا كتاب الله والعمل بما فيه ، والله أعلم.
ثم قوله : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول : بئس النعت والصفة صفة الذين بلغ كذبهم مبلغا كذبوا على الله ؛ لأن الكاذب في العباد موصوف بالشر ، فإذا بلغ كذبه مبلغا يكذب على الله تعالى ، علم أنه في النهاية في الشر ، فكأنه يقول : صفة الذين كذبوا على الله في الغاية من الشر والقبح.
أو يقول : بئس مثل الذين كذبوا بآيات الله ؛ لأن الله تعالى ضرب أمثال المشركين بكل ما يستخبث ويستقبح ، وضرب أمثال المؤمنين بكل حسن وطيب ، فقال : المثل يعني الشبه الذي شبه الله تعالى به المكذبين بآياته شبه قبيح.
ثم في هذه الآية دلالة أن الله تعالى يخلق القبيح والحسن والخبيث والطيب جميعا ؛ لأن قوله : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) ، وذلك المثل الذي شبههم به ما خلقه وقد سماه : بئسا ، فثبت أن الله تعالى قد خلق الخبيث والطيب والقبيح والحسن ، وعند المعتزلة لم يخلق إلا الحسن ، فتكون الآية حجة عليهم.
وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، له تأويلان :
أحدهما : أنه لا يهدي القوم الظالمين لوقت اختيارهم الظلم والفسق ، أو لا يهديهم بظلمهم الآيات ومكابرتهم وعنادهم إياها ؛ فهو لا يهدي هؤلاء ، وأما من ظلم عن جهل أو فسق ثم استرشد ، فإنه يهديه ويرشده ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ؛ وقال في موضع آخر : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٩٤] ؛ فكان في هذا بيان أن من كان من أوليائه فله الدار الآخرة عند الله خالصة ، ومن كانت له الدار الآخرة فهو من أوليائه.