وقيل ـ أيضا ـ : من أمر الله : عذابه وأنواع البلايا إلى وقت إرادة الله ـ تعالى ـ الوقوع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : إذا كان الحاسد دون المحسود ، لا يقوى على الشر ليفعل به ، والشر المتوهم منه يكون من شر عينه ، وعمل الحسد إرادة زوال نعم المحسود وذهاب دولته.
وإنه جائز أن يكون الله ـ عزوجل ـ بلطفه (١) يجعل في بعض الأعيان عملا يتأدى (٢) بالنظر إلى ما يستحسنه من النعم (٣) إلى الزوال ، ويؤثرون ذهاب الدولة عنه ؛ فأمر بالتعوذ لهذا ، وقد بينا لك المتولدات من الأفعال بما جعل الله ـ تعالى ـ فيها من المضار والمنافع ما لا يبلغها علوم الخلق ، بل لو أراد الخلق أن يعرفوا ما في البصر من الحكمة التي تدرك بفتح البصر ما بين السماء والأرض من غير كثير مهلة ، لم يقدروا عليه.
وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا رقية إلا من عين أو حمة».
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «العين حق ، فإن كان شيء يسبق القدر لسبقه العين».
وفي خبر آخر : «لا شر في الهام ، والعين حق».
ويدل عليه في قصة إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) [يوسف : ٦٧].
وقد فسر قوم وجه عمل العين وكيفيته ، لكنه أمر كعمل الشمس في العين نفسها فيما تبصر الشمس وتنظر إليها ، فإنها تضره وتغلبه عن النظر على بعدها من العين بما جعل الله ـ تعالى ـ وذلك من اللطف والحكمة ، وكذلك عمل العين في المعيون.
والثاني : أن يكون بما حسد أن يبعث حسده على الحيل وأنواع ما به العين من السعي في الأمور التي بها الفساد على ضعفه في نفسه ؛ قال الله ـ تعالى ـ في صفة المنافقين : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون : ٤] ، فمع ما بين من فشلهم وضعفهم ، أمرهم بالحذر عنهم ، وقال : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦] ، ثم أمر بالتعوذ من شره ؛ فكذلك الحاسد ، والله أعلم [بالصواب](٤).
__________________
(١) في ب : باللطف.
(٢) في ب : يتأذى.
(٣) في ب : النعيم.
(٤) سقط في ب.