وقيل : كل شيء ينفلق من جميع ما خلق ، نحو الأرحام ؛ ليتعرف ما فيها ، والحب ، والنوى ، والهوام ، وكل شيء.
فمن ذهب إلى تخصيص الصبح ؛ فهو لأنه آخر الليل ، وأول النهار ، وقد جرى تدبير الله ـ تعالى ـ في إنشاء هذين الوقتين على جميع العالم ، بحيث لا يملك أحد الامتناع عن حكمهما فيما جعل لهما ، وهما النهاية في العلم بعلم الله ـ تعالى ـ الغيب ؛ إذ جرى من تدبيره في أمر الأوقات في الليل والنهار على حد واحد كل عام ، بما فيهما من الرحمة للخلق وأنواع المحنة ، ومنّ عليهما بما يأتيان الخلق ويذهبان ؛ فكأنما ذكر جميع الخلق على ما ذكر في تأويل قوله ـ تعالى ـ : (بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس : ١] ؛ فيكون فيه لو [قصد بالذكر](١) ما في كل ذلك ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ، له وجهان :
أحدهما : من شر خلقه ؛ لما أضاف إلى فعله ؛ كما يقال : «من شر فعل فلان» ، أي : من شر [ما] يفعله.
ويحتمل من شر يكون من خلقه ، لكن الإضافة إليه بما هو خالق كل شيء من فعل خلقه ، ومن خلق ما له الفعل ولا فعل.
والأول كأنه أقرب ؛ لما ذكر في بقية السورة [من] الواقع (٢) بخلقه المكتسب من جهتهم ، وأضيف إليه ؛ لما [بينا ، ولأن](٣) كل شر اكتسبه الخلق فذلك منسوب إلى الله ـ تعالى ـ خلقا ، وهو فعل المكتسب وكسبه ، فمتى كان المراد من قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) هذا النوع ؛ فكأن ذكر ما بعده يكون تكريرا.
وإذا حمل الأول على محض التخليق فيما لا صنع للخلق فيه من الشرور ، كان ذكر ما لهم صنع (٤) فيه ـ وإن كان بخلق الله تعالى ، لا يكون تكريرا ـ فيكون هذا التأويل أحق ، مع ما قد بينا أنه يمنع في فعل غيره بلطف ، [أو إعجاز ، وفي الإعجاز لا يحتمل التعوذ من شر من لا يقدر على فعل يتصل به الشر ، وفي ذلك إثبات التمكين لما يقع به الشر ؛ فيجوز](٥) التعوذ من الذي منه أذية تكون من غيره ، على ما بينا من جواز الأمر والنهي عن
__________________
(١) في ب : قصدنا لذكر.
(٢) في ب : الرافع.
(٣) في ب : يتناولان.
(٤) في ب : صنيع.
(٥) سقط في أ.