أحدها : يحتمل أن يكون بالكنية عرف عند الناس ، وبها كان معروفا دون اسمه ؛ فذكره بالذي كان معروفا به.
والثاني : ما ذكر أن اسمه كان عبد العزى ؛ فلم يرد أن ينسبه إلى غيره ، وهو العزى ؛ فذكره (١) بالكنية لهذا.
والثالث : أنه عيره بأشياء ، وخوفه بمواعيد ؛ فلو ذكره باسمه ، فلعله يصرف ذلك الخطاب والوعيد الذي كان له إلى غيره ؛ لما شرك غيره في الاسم ؛ إذ كانوا يسمون أولادهم وينسبونهم إلى أصنامهم ، ولم يكن أحد شركه في كنيته ؛ فلا يمكنه التحويل إلى غيره.
وقيل : ذكره بالكنية يخرج مخرج الوعيد له ، أي : تصير النار له كالابن ، وهو كالأب لها ؛ وذلك لأن هذه الكنى إنما تذكر في المتعارف على وجه التفاؤل ، كما يقال : أبو منصور ؛ على رجاء أن يولد له ابن يسمى : منصورا.
ثم إن الله ـ تعالى ـ سمى النار في بعض الآيات : أما للكافر ، كقوله : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة : ٩] ، وفي بعضها : مولى ؛ حيث قال : (هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد : ١٥] ؛ فجاز ـ أيضا ـ أن تكون النار إذا قربت منه ، وانضمت إلى حجره أن تصير في التمثيل كالولد ، ويصير هو أبا لها ؛ فقال : (أَبِي لَهَبٍ) ؛ على هذا الوجه من التأويل.
ووجه آخر : وهو أن ذكر الكنية وإن كان يراد بها التعظيم ، فعند ذكر المواعيد والعقوبات يراد بها الاستخفاف والإهانة ، وهو على ما ذكرنا فى (٢) البشارة : أنها وإن كانت تذكر عند ما يسر ويبهج في الأغلب ، فعند ذكر العقوبة نذارة ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] ؛ فعلى ذلك الكنية ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) ، هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : لم يغن ماله وقوته وما كسب من عذاب الله شيئا ؛ على ما يقولون : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥].
والثاني : أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَما كَسَبَ) يحتمل الولد ، أي : ما أغنى عنه ما جمع من ماله وما كسب من الولد ؛ على ما ذكر في الخبر ، روى أبو الأسود عن عائشة ـ رضي الله
__________________
(١) في ب : فذكر.
(٢) في ب : عن.